لم يتوقع أحد هذه الصورة التي انتهت إليها العلاقات بين المؤسسات الفيدرالية في واشنطن، ومدن أخرى، والبيت الأبيض، بعد أسبوعين فقط من تولّي الرئيس دونالد ترامب.
لطالما كان الجمهوريون والديمقراطيون يتفقون على ضرورة مراجعة أساليب الإنفاق الحكومي داخل المؤسسات الفيدرالية، بالإضافة إلى الدعوة لإصلاح النظام البيروقراطي الذي يهيمن على هذه المؤسسات.
رغم الخلافات المستمرة بين الطرفين حول كيفية تنفيذ ذلك، إلا أن ما حدث، خلال الأسبوعين الماضيين، فتح الباب أمام تساؤلات ومخاطر تخطت المؤسسات الخدمية المحلية والدولية، لتطال المؤسسات الأمنية المركزية، مما يشكل تهديدًا للأمن القومي الأمريكي.
والأخطر من ذلك هو استهداف مؤسسات مثل مكتب التحقيقات الفيدرالي، ووكالة الاستخبارات الأمريكية، مما يعرّض أمن حلفاء الولايات المتحدة وعملائها في الخارج لمخاطر حذّر منها المشرعون والمختصون.
تشهد أروقة الكونغرس حملة واسعة من قبل المشرعين الديمقراطيين ضد وزير تطوير الأداء الحكومي، إيلون ماسك، على خلفية استهدافه للبنية المعلوماتية للمؤسسات الفيدرالية.
حيث يواجه انتقادات شديدة بسبب قراراته التي يعلن عنها، بشكل متكرر، عبر منصته للتواصل الاجتماعي "إكس"، مما أثار قلقًا حول تأثير هذه التصرفات على فاعلية المؤسسات الحكومية.
بعد سنوات من العمل عن بُعد نتيجة لجائحة كورونا، كان مليون موظف حكومي مضطرين للعودة إلى مكاتبهم في المؤسسات الفيدرالية.
ومع دعوة إيلون ماسك إلى فرض خيار العودة للعمل من المكاتب أو الاستقالة الطوعية، تم تطبيق المرسوم الرئاسي الذي أقره الرئيس ترامب لاحقًا، مما دفع أكثر من 40 ألف موظف إلى المغادرة طواعية.
في وقت مبكر من المرحلة الانتقالية، بدأ الحديث في واشنطن عن عرض قدمته الإدارة الحالية لموظفي الحكومة، يتمثل في دفع رواتبهم للأشهر الثمانية المقبلة، مقابل مواجهة احتمال التسريح الإجباري من وظائفهم في الخريف المقبل أو حتى قبل ذلك.
هذا الخيار أثار الكثير من الجدل بين المشرعين الأمريكيين، والاتحادات المهنية المختصة في العاصمة.
يقول المشرعون الديمقراطيون المعارضون لسياسات ترامب ومقترحات وزارة تطوير الأداء، إن العملية الواسعة لاستهداف الموظفين الفيدراليين ستؤدي إلى تراجع أداء الحكومة بدلاً من تطويره، وهو ما يتعارض تمامًا مع الدعوات التي يقدمها وزير تطوير الأداء إيلون ماسك.
يستند المشرعون الديمقراطيون إلى أن وظائف الحكومة، خاصة في المستويات الأولى، تتطلب تأهيلاً مهنيًا متخصصًا، سجلات أمنية جيدة، وفترات طويلة من التدريب والاختبارات المهنية، قد تصل، أحيانًا، إلى عامين.
ويرون أن تعويض هذه الشروط أو توفيرها لموظفين جدد في وقت قصير سيكون أمرًا صعباً للغاية.
مسألة أخرى يثيرها المعارضون لهذه السياسات هي رفع السرية عن الأشخاص والمعلومات الحصرية داخل الجهاز الحكومي، خاصة تلك التي تتعلق بالجوانب الأمنية السرية المعقّدة، والتي تمتد إلى موظفين وشركاء في دول مختلفة حول العالم.
هذا الأمر يعرض الأمن القومي الأمريكي إلى مخاطر علنية، كما يهدد حياة موظفي المؤسسات الأمنية الأمريكية العاملين في مختلف أنحاء العالم، ويعرّض سلامتهم الشخصية وعائلاتهم والعاملين معهم في مناطق النزاع حول العالم لخطر كبير.
طلب وزارة ماسك من وكالة الاستخبارات الأمريكية تقديم كشف يحتوي على أسماء موظفيها الكاملة، والحرف الأول من ألقابهم أثار دهشة المسؤولين والموظفين في الوكالة.
هذا الطلب أثار القلق بين المسؤولين الأمنيين السابقين، حيث كان هناك تخوف من استهداف خصوم الولايات المتحدة، مثل: الصين، وروسيا، وإيران، وكوريا الشمالية، للبنية المعلوماتية الأمريكية.
مثل هذه المعلومات قد تسهل لهم جمع بيانات حساسة، مثل الأسماء، وتشكيل صورة كاملة عن موظفي الأجهزة الأمنية والاستخبارية، مما يعرض الأمن القومي الأمريكي لخطر كبير.
أوضح المسؤول، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن الكشف عن هويات موظفي وكالة الاستخبارات الأمريكية سيعرض شركاء الولايات المتحدة في مختلف أنحاء العالم للخطر. هذا الطلب قد يضر بعلاقات الثقة بين الأجهزة الأمنية الأمريكية ونظيراتها في الدول الحليفة، مما يفتح الباب أمام الخصوم لاستغلال الارتباك في التعاون المشترك.
وقال إن هذه الخطوة من شأنها تهديد الأمن القومي ليس فقط للولايات المتحدة، ولكن أيضًا لحلفائها الذين يتعاونون مع الأجهزة الأمريكية في عمليات أمنية حول العالم.
يرى هذا المسؤول السابق أن المخاطر لا تقتصر على الكشف عن أسماء موظفي الاستخبارات، بل تمتد إلى محاولات سابقة من الصين لاستخدام الحرب الإلكترونية لجمع معلومات عن حياة الأمريكيين.
ويُذكر أن واحدة من أبرز تلك المحاولات كانت في ظل الإدارة السابقة، حيث أثير الجدل حول السماح أو منع استمرار نشاط تطبيق "تيك توك" الصيني في الولايات المتحدة، وهو ما يعكس التهديدات المستمرة التي تواجهها البلاد من هذه الجهات.
يرى النواب الديمقراطيون أن طريق الإدارة الجديدة للرئيس ترامب لا يزال طويلاً لتحقيق أجندتها السياسية. في ظل الأغلبية المحدودة التي يملكها الجمهوريون في الكونغرس، سيكون ترامب بحاجة إلى دعم الديمقراطيين لتمرير المشاريع التي تتطلب أغلبية مطلقة.
أول هذه التحديات سيكون رفع سقف الدَّين العام، حيث سيحتاج ترامب إلى موافقة الديمقراطيين في المجلسين لتجاوز هذا المأزق.
يعترض الديمقراطيون على السياسات التي تمس المؤسسات الفيدرالية حالياً، ويخططون لاستدعاء وزير التطوير الحكومي، إيلون ماسك، للشهادة أمام الكونغرس في جلسات علنية وسرية. سيشمل الاستجواب مناقشة طريقة تعامل ماسك مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ومحاولته الوصول إلى نظام المعلومات في الخزينة العامة.
الأعضاء الديمقراطيون يعبرون عن قلقهم من طريقة تعامل إيلون ماسك مع المؤسسات الحكومية التي تحكمها شروط صارمة تتعلق بالوصول إلى المعلومات، بما في ذلك شروط تتعلق بالمستويات الوظيفية، والأهلية الأمنية.
يشيرون إلى أن ماسك نفسه لا يتوافر على بعض هذه الشروط، مما يثير تساؤلات حول مدى ملاءمة استهدافه لهذه المؤسسات والبيانات الحساسة.
السيناتور الديمقراطي البارز بيرني ساندرز انتقد سياسات الرئيس ترامب قائلاً أمام أعضاء مجلس الشيوخ إن هذه السياسات تهدف إلى إنشاء نظام سياسي أحادي الرؤية يعزز من قوة الأثرياء على حساب مصلحة الأمريكيين العاديين.
وأضاف ساندرز أنه إذا كانت الإدارة الجديدة ترغب في إنهاء عمل وكالة التنمية الدولية، فعليها تقديم مشروع قانون إلى الكونغرس الذي أنشأ الوكالة في العام 1961، مشدداً على أنه لا يمكن للسلطة التنفيذية اتخاذ هذا القرار بمفردها، خاصة بالطريقة التي اختارها ماسك لتحقيق ذلك.