في الوقت الذي يُحاول فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وضع خُطط لوقف الحرب الأوكرانية الروسية تنفيذًا لوعوده الانتخابية، تتزايد مخاوف القادة الأوربيين بشأن موقفه من حلف شمال الأطلسي "الناتو"، بعد انتقاده خلال حملته الانتخابية للضغط على دول الحلف لزيادة إنفاقها الدفاعي، أو الانسحاب من التكتل الأوروبي.
وتلعب الولايات المتحدة دورًا محوريًّا في حلف شمال الأطلسي، إذ تعدُّ أكبر قوة عسكرية في الحلف، وتساهم بنحو 70% من الإنفاق الدفاعي، وتسعى واشنطن من خلال "الناتو" إلى تعزيز الأمن الجماعي للدول الأعضاء والتصدي للتهديدات العالمية التي تواجه الدول الأعضاء في الحلف.
وحاول الأمين العام لحلف "الناتو" مارك روته كسب ود ترامب، من خلال إعلان رغبته في العمل معه مرة أخرى من أجل تعزيز السلام من خلال القوة عبر الحلف، لمواجهة العدد المتزايد من التحديات على الصعيد العالمي، بدءًا من روسيا التي وصفها بـ"الأكثر عدوانية"، وصولًا إلى الإرهاب، والمنافسة الإستراتيجية مع الصين، وكذلك التوجه المتزايد نحو التحالف بين الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران.
ومع عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض والإذن الأمريكي بالسماح بضرب العمق الروسي، يواجه حلف شمال الأطلسي "الناتو" تحديات غير مسبوقة، نظرًا لتوجهاته السياسية تجاه الحلف، التي شهدتها الأيام الماضية ما بين الانتقاد والوعيد والشكوك حول الالتزامات الأمريكية في أوروبا.
ولهذا، توقع وزير الدفاع البريطاني، جون هيلي، استمرار الإدارة الأمريكية القادمة بقيادة الرئيس المنتخب دونالد ترامب ملتزمة تجاه حلف شمال الأطلسي وأوكرانيا في حربها مع روسيا مهما تطلب الأمر، قائلًا إن "الرئيس ترامب يعي جيدًا أن الدول تحقق الأمن من خلال القوة، وهذا بالضبط دور التحالفات مثل حلف شمال الأطلسي".
وفي خضم هذه المخاوف يبقى التساؤل الأهم، كيف يتعامل حلف شمال الأطلسي "الناتو" مع الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب رغم الخلافات المشتركة بينهما في ضوء التغيرات المفاجئة في إدارة البيت الأبيض بشأن السماح لكييف بضرب روسيا بالصواريخ الأمريكية.
ووصف المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية بسام البني خطة حلف "الناتو" للتعامل مع ولاية ترامب الثانية، بـ"المتخبطة"، متوقعًا رضوخ بعض أعضاء حلف الناتو لترامب، أما عن خطة ترامب للتعامل مع حلف الناتو، فالأمر صعب توقعه، خاصة أن ترامب شخص لا يمكن التنبؤ بأفعاله، خاصة مع تصريحاته حول ضرورة إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا من دون توضيح كيفية حل النزاع، وإذا ما كان سيعود للضمانات الأمنية الروسية التي طالبت بها موسكو في نهاية عام 2022 أم هناك خطط أخرى.
وقال بسام البني، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، في تصريحات خاصة لـ«إرم نيوز»، إن هناك مخاوف أوروبية داخل حلف شمال الأطلسي من الفترة التي يتولى فيها ترامب إدارة أمريكا بسبب التهديدات والتحذيرات من الانسحاب من الناتو حال عدم التزام الدول الأعضاء بزيادة نسبة مساهمتها في الإنفاق الدفاعي، لذا كم المتوقع أن تعمل الدول على تنفيذ مطالب ترامب خوفًا من رفع يد أمريكا عن الحلف في خضم الأزمات الاقتصادية والعسكرية التي تعانيها بعد دول الحلف.
وأوضح الخبير في الشؤون الروسية، أن سماح بايدن لأوكرانيا باستخدام الصواريخ الأمريكية لضرب العمق الروسي يهدف إلى تعسير مهمة الرئيس الأمريكي المنتخب ليس في المفاوضات الروسية، وإنما يزيد التوتر بين حلف شمال الأطلسي وأمريكا من طرف، وبين الحلف وروسيا من طرف آخر، خاصةً أن هذا الأمر سيلعب دور حاسمًا إذا ما تم ضرب العمق الروسي بصواريخ بعيدة المدى سيترتب عليه رد فعل حاسم من الجانب الروسي.
وتابع الخبير في الشؤون الروسية: "في هذه الحالة سنشاهد تقدمًا كبيرًا على الجبهة الأوكرانية، ثم يتم ضرب العمق الأوكراني، وسيتم استهداف مستودعات الأسلحة التي يتم تخزينها في رومانيا وبولندا قبل إرسالها إلى أوكرانيا، وأيضًا هناك أصوات تعلو داخل موسكو تدعو إلى نشر صواريخ نووية وتجهيزها في حال ضرب العمق الروسي، وهناك أصوات أخرى تدعو إلى إغراق بريطانيا في البحر وبالتالي فإن الموضوع يعد خطيرًا" وفق تعبيره.
من جانبه، قال إبراهيم كابان، مدير الشبكة الجيوإستراتيجية للدراسات، إن سماح أمريكا لأوكرانيا باستخدام الأسلحة الأمريكية الثقيلة والأسلحة الإستراتيجية في العمق الروسي هو تحول دراماتيكي يشير إلى أن المسار الأمريكي باتجاه الوضع مع روسيا في أوكرانيا وأوروبا الشرقية لا يبتعد كثيرًا عن المسار الأوروبي، وبالتالي سيستمر الأمر قبل تولي ترامب.
وأوضح كابان في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز" أن الرئيس الأمريكي جو بايدن في الأيام الأخيرة يستهدف فرض أمر جديد لإدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب ليواجه مسارًا أكثر تعمقًا في أوكرانيا لإجبار ترامب على مواصلة تلك الإستراتيجية، ثم إذا تراجعت إدارة ترامب المقبلة عن هذا المسار ستؤثر سلبًا على العلاقات مع أوروبا، وتحديدًا حلف شمال الأطلسي.
وأضاف أن لغة المصالح هي التي تحكم العلاقة بين ترامب وحلف شمال الأطلسي، خاصة فيما يتعلق بالحرب الأوكرانية الروسية، وأيضًا الأوضاع في الشرق الأوسط، خاصةً أن هناك توقعات بأن "الناتو" يُمارس حملة من الضغط على ترامب خوفًا من رفع الدعم الأمريكي، وانسحاب الولايات المتحدة من الحلف الذي يخلق أزمات متعددة لبلادهم.