وعد قائد وحدة النخبة "كابسات" في مدغشقر، مايكل راندريانيرينا، الذي أطلق على نفسه لقب "رئيس إعادة التأسيس"، بالقطيعة مع الماضي عند توليه السلطة، معلنا اتخاذ السلطات الجديدة عدة خطوات رمزية كضمانة على حسن نواياه، بدءًا بفتح تحقيقات ضد شخصيات بارزة في النظام القديم.
وتمت الإطاحة بالرئيس المخلوع أندريه راجولينا في 14 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعد 3 أسابيع من المظاهرات التي نظمها "الجيل زد"، على يد الجنود بقيادة ميخائيل راندريانيرينا.
وقدم الأخير ضمانات لتهدئة الشارع بدءا بأحد أبرز رجال الأعمال في البلاد مامي رافاتومانجا، وممول حملات أندريه راجولينا ومستشاره السري، الذي صدرت بحقه مذكرة توقيف دولية منذ 16 أكتوبر/ تشرين الأول. كما طلبت وزارة العدل من الإنتربول إصدار مذكرة توقيف حمراء بحقه، حيث فرّ رجل الأعمال إلى موريشيوس قبل 3 أيام من استيلاء الجيش على السلطة، وأُلقي القبض عليه بتهمة "غسل الأموال والتآمر".
ويوم الاثنين، 10 نوفمبر/ تشرين الثاني أُلقي القبض على رينا راكوتومانغا، مديرة الاتصالات السابقة لأندري راجولينا، بالقرب من مدينة تاماتاف (شرق)، "على خلفية قضية غسل أموال، وتضارب مصالح، واستغلال نفوذ، وإجراءات قانونية أخرى جارية ضدها"، وفقا لوزارة العدل.
وتعد راكوتومانغا من الشخصيات البارزة القليلة التي تحركت بنشاط، خلال الشهر الماضي، ضد ما تعتبره تدخلا "غير قانوني" للنظام الجديد. وفي اليوم السابق، فُتش منزل الوزيرة السابقة ورئيسة بلدية أنتاناناريفو، ناينا أندريانتسيتوهاينا، للاشتباه في اختلاسها.
ولتلبية مطالب الشفافية ومكافحة الإفلات من العقاب التي رفعها "الجيل زد"، تعهدت السلطات الجديدة بإجراء فحص شامل لإدارة النظام المخلوع من خلال تكليف حوالي 40 قاضيا من محكمة المحاسبات بإجراء مراجعة عامة للدولة.
ولضمان عدم هروب أي منهم من العدالة، تم فرض حظر على سفر جميع أعضاء الحكومة السابقة، كما تم عزل المديرين العامين للجمارك والضرائب.
رغم هذه التحقيقات، تُقرّ مبادرة الشفافية الدولية في مدغشقر بيقظة السلطات الجديدة. ويُعرب المدير التنفيذي للمبادرة مياليسوا راندريامامبيانينا، في تصريح لصحيفة "لوموند" الفرنسية عن أسفه قائلاً: "بعض الشخصيات المتورطة في صفقات مشبوهة أو التي لعبت دورا في انقلاب عام 2009 تُناور الحكومة الجديدة، رغم أنها لا تُجسّد مبادئ النزاهة والشفافية". ويدعو إلى تقديم خارطة طريق واضحة للفترة الانتقالية.
وأضاف "في الرئاسة يُحاط رئيس الدولة الآن بأربعة ضباط عسكريين يحملون لقب مستشارين كبار. لكلٍّ منهم مكتبه الخاص، وهذا أمرٌ مُكلفٌ للغاية، خاصةً وأننا لا نعرف بدقة ما هي وظائفهم وصلاحياتهم في اتخاذ القرار".
وعلى غرار منظمات المجتمع المدني، يعتزم "جيل زد" القيام بدور رقابي خلال هذه الفترة الانتقالية، بمراقبة القرارات المتخذة والأفراد المعينين في مناصب السلطة. ويتوقع الآن أن يترشح أعضاؤه للمناصب.
لكن بالنسبة لمراقبين، يبقى أحد التحديات الرئيسة التي تواجه الحكومة الجديدة هو الحفاظ على الدعم المالي من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، الذي تعتمد عليه العديد من المشاريع الجارية الهادفة إلى تحسين فرص الحصول على المياه والطاقة في جميع أنحاء البلاد - حيث يتمتع 36% فقط من سكان مدغشقر بالقدرة على الوصول إلى الكهرباء.
وفي حين تظل عائدات الضرائب منخفضة للغاية في مدغشقر، فإن القروض من هؤلاء المانحين، الذين لم يديروا ظهورهم للسلطات الجديدة على الرغم من الانقلاب، تساعد في الحفاظ على الخدمات الصحية والتعليمية، حتى لو تدهورت، بالنسبة لجزء من السكان.
وفقا لأحدث بيانات البنك الدولي الصادرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2025، يعيش 66% من سكان مدغشقر في فقر مدقع، بأقل من 3 دولارات يوميا. إذا قلّص الشركاء الغربيون برامجهم، فإنهم يُخاطرون بإفساح المجال لروسيا، التي أبدت بالفعل رغبتها في تعزيز تعاونها مع مدغشقر خلال هذه الفترة الانتقالية. ويدعم هذا النهج الرئيس الجديد للجمعية الوطنية سيتيني راندرياناسولونيايكو، المعروف بقربه من موسكو.
كما تتفاقم المخاوف الأمنية في هذا المناخ الاجتماعي المتوتر؛ ففي الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني، أعلن المدير العام الجديد لجهاز المخابرات المركزية - جهاز المخابرات الملغاشية - اعتقال أجنبيَين كانا يخططان لاغتيال الرئيس الانتقالي كما نقلت "لوموند".
صرّح روفين تولوجارا ليبيريا، دون تقديم تفاصيل إضافية عن هوية المشتبه بهم، بأنهم موجودون في الجزيرة منذ 5 سنوات على الأقل، وأنهم "ليسوا أوروبيين ولا هنديين ولا باكستانيين ". ولم تُحدد أجهزة الاستخبارات، التي اقتنعت بأن هذه المؤامرة مُدبّرة، هوية مدبري العملية بعد.
وفي ظل هذا الخطر المتمثل في زعزعة الاستقرار، يقول رئيس إعادة التأسيس، الذي خرج فجأة من الغموض من خلال توليه قيادة تمرد "كابسات"، إنه في عجلة من أمره لإخراج البلاد من الفقر المدقع.