في منتصف سبتمبر 2025، شهدت العاصمة النيجيرية أبوجا حدثًا يعكس تحوّلًا استراتيجيًا في مسار التصنيع الدفاعي الأفريقي، حين زار وفد من شركة الحلول الصناعية والدفاعية العالمية الباكستانية (GIDS) مؤسسة الصناعات الدفاعية النيجيرية (DICON)، واضعًا الأسس لإنتاج مشترك للطائرات المسيّرة والذخائر والصواريخ.
وبحسب موقع "مليتري أفريقيا"، تأتي هذه الخطوة في إطار الإصلاحات التي أقرها قانون مؤسسة الصناعات الدفاعية لعام 2023، الذي وقّعه الرئيس بولا تينوبو لتوسيع نطاق التصنيع المحلي وتقليص الاعتماد على الواردات في مجال الدفاع.
وبالنسبة لنيجيريا، التي تواجه تمردات في الشمال الشرقي وهجمات عصابات في الشمال الغربي، فإن تطوير منصات محلية منخفضة التكلفة يمثل ضرورة استراتيجية لتأمين قدرات مستدامة دون استنزاف احتياطيات النقد الأجنبي.
تمثل GIDS الذراع الصناعي الدفاعي لوزارة الإنتاج الدفاعي في باكستان، وهي شركة حكومية تمتلك خبرة ممتدة في الأنظمة الجوية والبرية والبحرية، وتُصدّر منتجاتها إلى أكثر من 16 دولة.
وأكد اللواء بابتوندي إبراهيم علايا، المدير العام للشركة، أن المبادرة تترجم رؤية مشتركة نحو إنشاء قاعدة عسكرية صناعية مستقلة في نيجيريا، تقوم على نقل التكنولوجيا وتدريب الكوادر المحلية في مجالات التجميع والصيانة والتصميم.
زيارة الرئيس التنفيذي لشركة GIDS، أسد كمال، إلى أبوجا لم تقتصر على محادثات مؤسسة الصناعات الدفاعية، بل شملت لقاءات رفيعة مع رئيس أركان القوات الجوية النيجيرية، حيث تم الاتفاق على تعزيز التعاون في مجالات التدريب والتسليح.
يُعد هذا اللقاء امتدادًا لشراكة عسكرية عريقة بين البلدين بدأت في ستينيات القرن الماضي، ودرّبت باكستان خلالها أكثر من 2000 عنصر نيجيري، ما جعلها أحد أهم شركاء نيجيريا في بناء القدرات الدفاعية.
ويأتي هذا التقارب أيضًا تتويجًا لمسار طويل من المبادرات المشتركة، ففي مايو 2024، وُقّعت مذكرة تفاهم بين GIDS وشركة Proforce Intelligence Systems Limited النيجيرية، ضمن منتدى القوات الجوية الأفريقية في لاغوس، وركزت الاتفاقية على تبادل تقنيات المراقبة والاستخبارات، ما عزز قدرات نيجيريا في التعامل مع التهديدات الميدانية والهجمات الهجينة في منطقة الساحل.
كما أن تعاون نيجيريا وباكستان لا يقتصر على الطيران، بل يمتد إلى مجالات الاتصالات العسكرية والمركبات المدرعة والطائرات المسيّرة، بما فيها المنصات متوسطة الارتفاع طويلة الأمد التي أثبتت جدارتها في مكافحة الإرهاب.
في مارس 2024، عرضت GIDS في باكستان طائرة "شهبار 2 بلوك 2" المسيرة، أمام وفود من عشر دول أفريقية بينها نيجيريا، لتظهر قدراتها على ضرب أهداف متحركة وثابتة بصواريخ "بورق" الموجهة بالليزر.
هذه المنظومة تجمع بين الكفاءة التشغيلية والسعر المنخفض، ما يجعلها مناسبة للدول التي تواجه تحديات أمنية مزمنة بميزانيات محدودة.
تتمتع "شهبار 2" بمدى طيران يصل إلى 20 ساعة مراقبة على ارتفاع 23 ألف قدم، وسرعة قصوى تبلغ 220 كيلومترًا في الساعة، ما يجعلها مثالية لمهام المراقبة عبر المناطق الواسعة مثل حوض بحيرة تشاد.
أما صواريخ "بورق" المرافقة، بمدى يصل إلى 12 كيلومترًا، فتوفّر دقة عالية تصل إلى 1.5 متر في إصابة الأهداف، مع إمكانيات تشويش منخفضة، ما يتيح تنفيذ عمليات دقيقة ضد المخابئ والمركبات في المناطق الجبلية أو الصحراوية.
تسعى نيجيريا اليوم إلى تحقيق استقلال صناعي عسكري عبر بنية تشريعية وتنظيمية جديدة تدعم الشراكات الدولية دون التفريط في السيادة التقنية.
قانون DICON لعام 2023 مكّن من إقامة مشاريع دفاعية مشتركة بين القطاعين العام والخاص، وهو ما تُجسّده اتفاقيات أغسطس 2025 مع شركات مثل D7G لتصنيع أسلحة المشاة والطائرات المسيرة للمراقبة.
وفي أبريل 2025، دعا وزير الدفاع محمد بدارو أبو بكر إلى توسيع التعاون مع باكستان، مشيرًا إلى أن البلدين يتقاسمان خبرة عميقة في مكافحة الإرهاب ومواجهة الجماعات المسلحة.
تُعزز هذه السياسة أيضًا الجهود النيجيرية لتطوير مصانع ذخيرة محلية عبر الوكالة الوطنية للعلوم والبنية التحتية الهندسية، ما يفتح الباب أمام اقتصاد دفاعي متكامل يقلل الاعتماد على الاستيراد ويخلق فرصًا للابتكار الصناعي.
من الناحية العملياتية، يوفر التعاون مع GIDS حلولًا عملية لسلاح الجو النيجيري الذي يعتمد حاليًا على مزيج من الطائرات القديمة مثل ألفا وL-39 ألباتروس إلى جانب طائرات JF-17 وسوبر توكانو الحديثة، ومع دمج الطائرات المسيرة الباكستانية، يمكن لنيجيريا سد فجوات الاستطلاع والدعم الجوي وتخفيض تكاليف التشغيل على المدى الطويل.
يُجمع الخبراء على أن هذا التقارب يتجاوز البعد العسكري إلى إعادة تموضع استراتيجي في إفريقيا جنوب الصحراء، حيث تسعى نيجيريا — بدعم من باكستان — إلى أن تصبح مركزًا إقليميًا لصناعة الدفاع ومصدّرًا للتقنيات العسكرية في غرب القارة.
لا يُختزل التعاون الباكستاني–النيجيري في تبادل التكنولوجيا أو التدريب العسكري فقط، بل يعكس رؤية مشتركة لتأسيس محور جديد من التعاون الجنوبي–الجنوبي في الصناعات الدفاعية.
ففي وقت تتراجع فيه الثقة في سلاسل التوريد الغربية وتتعاظم التهديدات الأمنية في الساحل الإفريقي، تُقدّم هذه الشراكة نموذجًا عمليًا للتموضع الذكي: نيجيريا تبحث عن استقلال دفاعي، وباكستان تسعى إلى توسيع حضورها الصناعي في إفريقيا.
وبينهما، تتشكل معادلة جديدة يمكن أن تعيد رسم الخريطة الأمنية والتكنولوجية للقارة، حيث يتحول التعاون العسكري إلى أداة للتنمية والسيادة الوطنية في آنٍ واحد.