قبل يومين من وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، خرج تصريح من موسكو شكّك بجدوى الحرب التي شنتها تل أبيب بتدخل أمريكي متأخر، للقضاء "الكامل" على المشروع النووي الإيراني.
يوم الأحد الماضي، وبعد ساعات من قصف أمريكي على ثلاثة مواقع نووية إيرانية، وجّه دميتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، رسائل مبطنة من موسكو إلى واشنطن، حملت بحسب تقرير لإذاعة "مونتي كارلو" الفرنسية "تهديدات ضمنية".
وبينما لفت إلى أن "البنية التحتية الحيوية لدورة الوقود النووي في إيران لم تتعرض لأضرار كبيرة"، وأن "عملية تخصيب المواد النووية ستتواصل"، أطلق ميدفيديف تحدياً من نوع آخر، إذ قال إن دولاً باتت مستعدة لتزويد إيران برؤوس نووية بشكل مباشر".
وأعادت تصريحات المسؤول الروسي الكبير التحذيرات السابقة من إمكانية الانتشار النووي عبر "البيع والشراء" بين الدول، وهي قضية كانت قد أثيرت على نطاق واسع قبل عشرة أعوام مع تنامي الخطر الإيراني في المنطقة.
أما قبل ذلك بسنوات، وتحديداً مع انهيار الاتحاد السوفيتي، في بداية تسعينيات القرن الماضي، شاع ما عُرف بـ"السوق السوداء النووية"، إذ كشفت تسريبات موقع "ويكيليكس"، وهو المنصة التي نشرت ملايين الوثائق السرية حول العالم، أن مجموعات عرضت على دول شراء "أسلحة ومواد نووية"، بل وخبرات علماء نوويين.
ومع بداية الألفية الجديدة، في 2003، ضبط خفر السواحل الإيطالي سفينة شحن متجهة إلى ليبيا، تحوي معدات لا تُستعمل إلا في صنع سلاح نووي، وأعلن أن وراءها شبكة دولية يقودها عبد القدير خان، وهو العالم والمؤسس للبرنامج النووي الباكستاني ورئيسه الأول.
استجوب الأمن الإيطالي حينها عبد القدير خان وبعض علماء الذرة الباكستانيين بشأن احتمال وجود علاقة بين البرنامجين النوويين في باكستان وإيران، وتسريب أسرار نووية إلى دول مثل ليبيا وكوريا الشمالية، وهو ما دفع من يوصف بأنه "أبو القنبلة الذرية الباكستانية" للظهور بعد عام على شاشات التلفزيون ليعترف بتسريب هذه الأسرار لدول أخرى، نافياً أي مسؤولية عن حكومة بلاده.
ووفق الخبير العسكري، أحمد رحال، فقد فوجئت الصين في تسعينيات القرن الماضي بطلب الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي شراء "قنبلة نووية صينية"، وهو طلب قوبل بالرفض، لكنه يشي بالعديد من المحاولات السرية لاقتناء النووي "جاهزاً".
أحمد رحال يؤكد، في تصريح لـ "إرم نيوز"، أنه أمر "غير واقعي"، و"لا إمكانية لتطبيقه"، وهو ما يتفق معه المحلل والكاتب علي حمادة الذي يرى أن "الدول النووية كلها لديها رغبة بأن يبقى النادي مغلقاً عليها".
يقول علي حمادة، في تصريح لـ "إرم نيوز"، إن "ميدفيديف معروف بإطلاق التصريحات عالية السقف، التي تتضمن رسائل روسية نحو خصومها"، لكنها "بعيدة تماماً عن الواقع"، مشيراً إلى أنه سبق أن هدد بقصف أوكرانيا بالنووي، وبوصول الصواريخ الروسية إلى برلين.
ويؤكد أنه ليس من مصلحة روسيا أن تكون لها "جارة نووية" حتى لو كانت إيران التي تشترك معها سياسياً الآن، وكذلك كوريا الشمالية التي تكثر من هذا النوع من التصريحات التي يرى حمادة أنها "غير واقعية".
ويضيف: "ليست هناك إمكانية لنقل رؤوس نووية من دولة إلى أخرى، وهذا لم يكن ولا مرة في حسابات روسيا"، وهو ما يتفق معه أحمد رحال بقوله إن التصريحات الروسية كان هدفها "إثبات الوجود" و"التراشق الإعلامي" مع واشنطن ليس أكثر.
تتشكل خريطة الأسلحة النووية في العالم بالأساس من الدول الخمس الأصلية المالكة لها، وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة، وهي من الدول الموقعة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
وتُلزم الدول الخمس التي لا تمتلك أسلحة نووية بعدم بنائها أو الحصول عليها، كما تُلزم الدول التي تمتلكها بـ"السعي للتفاوض بنية حسنة" بهدف نزع السلاح النووي.
وتقول تسع دول حالياً إنها تمتلك أسلحة نووية أو يُعتقد أنها تمتلكها، بينها الهند وباكستان وكوريا الشمالية، في حين لا تصرّح إسرائيل بامتلاكها.
وتمتلك روسيا 5889 رأساً نووياً، والولايات المتحدة 5244، بينما تأتي الصين ثالثة بـ 410، وفق إحصائية لاتحاد العلماء الأمريكيين 2023.