باتت إندونيسيا على حافة أزمة خطيرة بعد احتجاجات واسعة اندلعت في العاصمة جاكرتا ومدن أخرى، مستهدفة مباني الشرطة والحكومة ووحدات "بريموب" ومباني المسؤولين، بينما لم تتعرض مقرات القوات البحرية أو القصر الرئاسي لأي هجوم.
وبحسب "فورين بوليسي"، فإن الأحداث أسفرت عن تصاعد المواجهات بين القوات الأمنية والمتظاهرين؛ ما دفع الحكومة إلى تطبيق إجراءات أمنية مشددة، شملت استخدام الغاز المسيل للدموع، والرصاص المطاطي، وتحركات عسكرية لحماية الجامعات والمباني الحيوية.
وفق المجلة الأمريكية فإن الاحتجاجات بدأت بعد تصاعد الغضب الشعبي بشأن امتيازات أعضاء البرلمان، بما في ذلك بدلات السكن اليومية، مقارنة بالأجور الدنيا في أجزاء من البلاد؛ إذ أثارت هذه المسألة انتقادات واسعة وأدت إلى اندلاع احتجاجات في جاكرتا، وتوسعت لاحقًا إلى مدن مثل ماكاسار وسورابايا.
وتأتي استجابة الحكومة من خلال سلسلة تدابير سياسية ودبلوماسية، تضمَّنت إلغاء سياساتٍ مثل بدلات السكن وحق العمل من الخارج، وتعليق عدد من السياسيين، وتنظيم لقاءات بين الحكومة والأحزاب السياسية، وهذه الخطوات تهدف إلى إعادة ضبط النظام السياسي واستعادة السيطرة على البرلمان وسط ضغوط الاحتجاجات.
ويرى الخبراء أن هذه الأزمة، على المستوى الدفاعي والأمني، أظهرت قدرة القوات الأمنية على التمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية، مع تركيز عملياتها على مراكز الشرطة ووحدات النخبة، بينما حافظت على استقرار مواقع القوات المسلحة والمقرات الرئاسية، كما نفذت الحكومة عمليات ميدانية واسعة النطاق لمراقبة الجامعات والمدن الكبرى، مع تعزيز التدابير الأمنية لمنع توسع العنف.
وفي هذا السياق ركّزت الاحتجاجات في المدن الأخرى على المقار الحكومية ومراكز الشرطة، في حين شهدت بعض المدن حرائق في المباني الإدارية، مثل برلمان ماكاسار ومقر نائب محافظ شرق جاوة ومكاتب الشرطة في سورابايا؛ ما دفع الحكومة لتعزيز التنسيق بين الشرطة والجيش ووحدات مكافحة الشغب لضبط الوضع ومنع توسع العنف.
من جهته حاول الرئيس برابوو سوبيانتو اتخاذ إجراءات سياسية وقانونية للحدّ من التوترات؛ استجابة للغضب الشعبي، وأعلن حزمة وعودٍ باتخاذ إجراءات لمعالجة المظالم، وتدابير أمنية مشددة على نحو متزايد.
ولدى حديثه لوسائل الإعلام المحلية، قال برابوو إنه مع أن للناس الحق في الاحتجاج السلمي، إلا أنه أدان العنف، ملمحًا إلى شعوره بوجود أيادٍ خفية وراء الاضطرابات.
ويعتقد مراقبون أنه ورغم الإجراءات الحكومية، هناك مخاوف متزايدة من أن التنازلات المحدودة التي قدمها الرئيس قد لا تكفي لتهدئة الحشود أو معالجة الأسباب الجوهرية للاحتجاجات.
وفي السياق أشار الزميل غير المقيم في المكتب الوطني لأبحاث آسيا، يوهانس سليمان، إلى أن المشكلة تكمن في أن التنازلات جاءت متأخرة وغير كافية، كما لم تُعالج الأسباب الحقيقية للمشكلة، والتي تشمل السلوكيات الفاسدة للمسؤولين، الهدر الناتج عن الحكومة البيروقراطية والوزارات المتضخمة، الإنفاق على برامج مكلفة وغير فعالة، وعدم التوازن المالي الذي سيؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى زيادات كبيرة في الضرائب.
وأضاف سليمان أن "الحكومة ستظل تواجه أزمة مالية وارتفاعًا في الضرائب وضغوطًا سياسية مستمرة على المدى الطويل، بصرف النظر عن نتائج الاحتجاجات الحالية".
وتقول مصادر إن هذه الاحتجاجات ليست مجرد ردّ فعل على سياسات محددة أو رواتب البرلمان، بل تكشف عن صراع أعمق بين جيلين؛ فالجيل الشاب، المتمثل في الطلاب والمحتجين العشوائيين، يُطالب بالإصلاح السياسي ومحاسبة المسؤولين الفاسدين، ويرفض الاستسلام للبيروقراطية المتضخمة والهدر المالي.
وفي المقابل، يسعى الجيل القديم من السياسيين والمسؤولين، الذي يهيمن على الحكومة والجيش منذ أيام سوهارتو، للحفاظ على سلطته ونفوذه، مستخدمًا التنازلات الجزئية والرقابة الأمنية لمحاولة تهدئة الغضب؛ ما يعكس معركة مستمرة بين حرية الشباب وسلطة الماضي.