بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومنذ حملاته الانتخابية، مساراً مغايراً في السياسة الأمريكية يسعى للسيطرة على مناطق واسعة عبر العالم، إما "شراءً بالقوة" كما في حالة جزيرة غرينلاند، أو سيطرة عسكرية مباشرة كما في قطاع غزة، أو ما بينهما من محاولات "إقناع بالإكراه" عبر الضغوط الاقتصادية كما في حالة "ضم كندا".
ومنذ أن أعلن ترامب شعار حملته "أمريكا أولاً"، بدا أن الرئيس الأمريكي سيعيد تشكيل السياسة الخارجية، ومهما ترك ذلك من آثار خارج حدود بلاده.
وتطغى الدوافع الاقتصادية ـ الاستثمارية، بالدرجة الأولى على المسار الذي بدأه ترامب، وقوبل بانتقادات منها أنه لا يقيم وزناً يذكر لسيادة الدول التي يساوم حكوماتها على الشراء، ومنها دولة بحجم كندا، التي أعلن ترامب وباكراً منذ حملته الانتخابية، أنها ستصبح الولاية 51 للولايات المتحدة الأمريكية.
رجل الأعمال الذي أصبح رئيساً لبلاده للمرة الثانية، هو الأكثر إثارة للجدل عبر تاريخها، خاصة بعد التصريحات والسياسات "الشعبوية" والمفاجئة التي يعلنها، تحت الشعار الانتخابي "أمريكا أولاً".
وتميزت ولايته الثانية باختياره عدداً من رجال الأعمال ليكونوا ضمن دائرته الضيقة، وأبرزهم المليادرير إيلون ماسك، وفيفيك راماسوامي (رجل الأعمال الذي يوصف بـ"ترامب الصغير") وأسند لهما وزارة جديدة تتختص بـ"كفاءة الحكومة".
أما مبعوثه إلى الشرق الأوسط، (حيث تبرز اليوم قضية تحويل غزة إلى "منتجع سياحي")، فهو رجل الأعمال ستيف ويتكوف أحد المستثمرين العقاريين، الذي يترأس شركة للاستثمار والعقارات.
أكبر صفقة عقارية
حين أعلن ترامب أنه ينوي "شراء" جزيرة غرينلاند، ذات الحكم الذاتي، والخاضعة للسيادة الدنماركية، أكد أنه جاد في تطبيق الفكرة ولم يستبعد حتى اللجوء إلى الخيار العسكري لتحقيقها، ووُصفت عملية الشراء بأنها "أكبر صفقة عقارية".
وأعلنت الدنمارك رفضها الصفقة، وقالت رئيسة وزرائها إن الجزيرة "جزء من أراضينا، وليست للبيع".
وعاد وزير الخارجية الأمريكي ليعلق على استخدام القوة، خاصة أن الدنمارك إحدى دول الناتو، ليقول إن ترامب أعلن "ما ينوي القيام به، وهو شراؤها". إلا أن الوزير ماركو روبيو أضاف أن اقتراح ترامب بشراء الجزيرة "ليس مزاحاً".
وتعد غرينلاند أكبر جزر العالم، وأكثرها غنى بثرواتها من النفط والغاز الطبيعي، والمعادن التي تشمل المواد المستخدمة في البطاريات مثل الغرافيت والليثيوم.
قناة بنما.. انتهاك اتفاق
التهديد بالقوة طال بنما أيضاً، إذ توعد ترامب بأن "شيئاً قوياً سيحدث" إذا لم تتمكن الولايات المتحدة من السيطرة على قناة بنما.
ومنذ تصريحات ترامب الأولى عن القناة، ردّ الرئيس البنمي خوسيه راؤول مولينو بالقول إن القناة ملك لبنما "وستظل كذلك".
وهو ما عاد ترامب ليرد عليه في خطاب القسم، حين أعاد التأكيد على "استعادة" القناة، واتهم بنما بأنها خرقت الاتفاق، قائلاً إن بلاده منحت القناة لبنما، لكن ليس للصين التي تديرها، وأضاف في تلويحة قوة: "لقد انتهكوا الاتفاق، فإما أن نستعيد قناة بنما أو سيحدث شيء قوي للغاية".
ضم كندا.. الإقناع بالإكراه
أعلن ترامب رغبته في "ضم كندا" لتصبح الولاية 51 في بلاده، وذهب حد وصف رئيس وزرائها جاستين ترودو بأنه "حاكم كندا" ووعد بإغراءات منها خفض الضرائب، ومضاعفة الأعمال فيها.
الرد كان حاسماً: "كندا لن تكون أبدا جزءا من الولايات المتحدة". حسب ما أعلنت وزيرة الخارجية الكندية.
إلا أن ما تم تحقيقه فعلاً هو "حرب تجارية" بين البلدين، إذ ردت كندا على فرض إدارة ترامب رسوماً جمركية بنسبة 25%، برسوم مماثلة، فردت إدراة ترامب بتوسيع السلع المشمولة برفع الرسوم.
"ريفييرا" ترامب
آخر المشاريع "العقارية الأمريكية" التي يبدو ترامب مصمماً على تنفيذها، كانت ساحتها غزة، إذ أعلن أنه يريد الاستيلاء على القطاع، وتهجير أهله، ولم يستبعد نشر قوات أمريكية لدعم "إعادة إعماره".
خطة ترامب، لإفراغ غزة، وإعادة تطوير القطاع ليصبح "منتجعاً ساحلياً دولياً" أو تحويله إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" بعد السيطرة الأمريكية عليه، أعادت إلى الأذهان خطة كان اقترحها صهره، جاريد كوشنر، الذي كان أحد المطورين العقاريين.
وسبق له أن تحدث عن أن الواجهة البحرية لغزة يمكن أن تكون لها قيمة كبيرة، حسبما نقلت "رويترز".
بل إن الرجل وصف الصراع العربي الإسرائيلي كله بأنه "ليس أكثر من نزاع عقاري بين الإسرائيليين والفلسطينيين".