يرى خبراء أوروبيون أن تغير موقف فرنسا تجاه إسرائيل بعد التصعيد مع إيران شكل ضربة لصورتها كوسيط نزيه في القضية الفلسطينية، وكشف مأزقها الدبلوماسي في المنطقة.
وأشار خبراء إلى أن المخاوف النووية دفعت باريس للتخلي عن الضغط على تل أبيب والعودة لدعم "حقها في الدفاع عن نفسها"، وإعادة التموضع لحماية نفوذها الإقليمي.
وقالت أنييس لوفالوا، نائبة رئيس معهد الدراسات حول المتوسط والشرق الأوسط (iReMMO)، لـ"إرم نيوز": "بينما كانت إسرائيل تحت ضغط متزايد من عواصم أوروبية، وخاصة باريس، فجّرت أزمة النووي الإيراني الوضع، ودفعت فرنسا للعودة إلى الخطاب الكلاسيكي: إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها".
وتابعت: "الهواجس النووية تطغى على الاعتبارات الإنسانية أو السياسية في غزة، ما أدى إلى قلب الطاولة تماماً".
واعتبرت لوفالوا أن "باريس تحاول الحفاظ على نفوذها في المنطقة، لكنها تتعثر بين دعمها التقليدي لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ومسؤوليتها الأخلاقية والتاريخية في دعم تطلعات الفلسطينيين".
ومن جهته، قال برتران بادي، أحد أبرز المختصين بالعلاقات الدولية في المعهد الفرنسي للدراسات الدولية والاستراتيجية، لـ"إرم نيوز"، إن ما يحدث هو "تراجع تكتيكي" من فرنسا أمام ضغوط دولية، وإعادة تموضع مؤقت بغية الحفاظ على موقعها في معادلة القوى الإقليمية.
وفي الوقت الذي كانت فيه باريس تستعد لاستضافة مؤتمر أممي مشترك مع السعودية حول الاعتراف بدولة فلسطينية، أُرجئ الحدث فجأة عقب التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، ما دفع فرنسا إلى تغيير خطابها سريعاً، من انتقاد حكومة نتنياهو إلى إعلان دعم "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، بحسب تعبير الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي أشاد أيضاً بـ"نجاح الضربات الإسرائيلية في تقليص قدرات تخصيب اليورانيوم لدى طهران".
ورأى برتران بادي أن هذا التبدل المفاجئ في النبرة لم يكن مجرد تكيّف مع المستجدات، بل أعاد ترتيب أولويات السياسة الخارجية الفرنسية.
وأوضح بادي أن "مبادرة ماكرون لعقد مؤتمر للاعتراف بدولة فلسطينية أثارت استياءً شديداً في إسرائيل"، مضيفاً: "يبدو أن ماكرون حاول استخدام الملف النووي الإيراني كورقة لإعادة التقارب مع تل أبيب، وربما حتى لتحقيق مصالحة ضمنية".
كما اعتبر بادي أنه من الوهم الاعتقاد بإمكانية فصل الملفين، قائلاً: "سياسة إسرائيل في غزة وسلوكها تجاه إيران يخدمان هدفاً واحداً: تأكيد القوة والتفوق الاستراتيجي، حتى لو أدى ذلك إلى خلق فوضى إقليمية".
ومن جانبه، يرى الباحث دافيد كلفا، من منتدى الشرق الأوسط الأطلسي (Atlantic Middle East Forum)، في حديث لـ"إرم نيوز"، أن الرئيس ماكرون يتبنى استراتيجية "فصل رمزي" بين الملفين الإيراني والغزّي، قائلاً إن "هذا الفصل يهدف إلى إقناع الرأي العام الإسرائيلي بأن فرنسا ليست ضد إسرائيل كدولة، بل ضد سياسات معينة تتبعها حكومتها اليمينية المتطرفة".
وأضاف: "باريس تحاول ترسيخ صورتها كوسيط عادل، لكنها تسير على خيط رفيع يفقدها تدريجياً ثقة كلا الطرفين".
كما حذر كلفا من خطر أكبر، مشيرا إلى أنه "إذا استمر هذا التذبذب، فقد تخسر فرنسا دورها كوسيط فاعل. فحالياً، لا أحد يتحدث بجدية عن الاعتراف بدولة فلسطين، ولا أحد يضغط على إسرائيل بشأن الانتهاكات في غزة".
وبحسب مراقبين، فإن الموقف الفرنسي يبقى مرهوناً بتطورات النزاع بين إيران وإسرائيل؛ فإذا تصاعدت المواجهات، ستبرر باريس موقفها باعتبارات أمنية عالمية، أما إذا هدأت الأوضاع، فقد تجد نفسها مضطرة للعودة إلى مربع الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وإلا ستُتهم بالازدواجية وفقدان المصداقية الأخلاقية والدبلوماسية.