في تطور لافت وسط التصعيد المتواصل بين طهران وتل أبيب، أعادت موسكو طرح ورقة "تخزين اليورانيوم الإيراني" في روسيا كمدخل ممكن لاحتواء التوترات المتصاعدة وإعادة فتح مسار التفاوض بشأن البرنامج النووي الإيراني.
والمبادرة الروسية التي طُرحت سابقًا ثم طُويت صفحتها، عادت اليوم إلى الواجهة بتأكيد من الكرملين أن المقترحات لا تزال على الطاولة، رغم تعقيدات الوضع الميداني وتزايد حدّة الاشتباكات غير المباشرة بين الطرفين.
وأكّد المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، أن موسكو لا تزال مستعدة للقيام بدور الوسيط بين إيران وإسرائيل، مشيرًا إلى أن المقترحات السابقة الخاصة بتخزين اليورانيوم الإيراني المخصّب على الأراضي الروسية لم تُسحب، ويمكن البناء عليها في أي مفاوضات مستقبلية.
وفي السياق ذاته، صرّح نائب وزير الخارجية الروسي، سيرجي ريابكوف، أن موسكو ترى في ردود إيران الحالية تعبيرًا عن حقها المشروع في الدفاع عن النفس ضد الهجمات الإسرائيلية، في موقف يعكس انحيازًا روسيًا واضحًا لطهران، في ظل ما تعتبره موسكو خرقًا إسرائيليًا للقانون الدولي.
وتُعيد هذه التصريحات طرح تساؤل جوهري حول نوايا الكرملين، عما إذا كانت تسعى موسكو فعليًا إلى مقايضة الملف النووي الإيراني بتهدئة إقليمية؟ وهو ما أجاب عنه الخبراء خلال السطور التالية.
أكد الخبراء أن المبادرة الروسية لا تُعبر عن صفقة خفية مع الغرب، بل تأتي في سياق التحرك الدبلوماسي لإنهاء الأزمة النووية، وأن موسكو لم تطلب أي تنازلات في الجبهة الأوكرانية، بل تُصعّد عسكريًا وتحقق تقدمًا على الأرض، أما من زاوية الردع، فيستبعد البني اندلاع مواجهة مباشرة بين طهران وتل أبيب في الوقت الراهن، نظرًا لتوازن القوى بين الطرفين.
وأضاف الخبراء في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن المقترح الروسي لن ينجح دون ضمانات دولية توقف الاستهداف المستقبلي لإيران، خاصة وأن هناك تحذيرات من أن طهران قد تستغل نقل اليورانيوم كغطاء لمواصلة برنامجها النووي في الخفاء.
وأشار الخبراء أيضًا إلى أن روسيا تسعى لتوظيف هذه الأزمة لتصفية حساباتها مع إسرائيل والغرب، فيما تبدو الأطراف الأوروبية عاجزة عن بلورة موقف موحد بعد انسحابها من الاتفاق النووي.
قال بسام البني، المحلل السياسي والخبير في الشأن الروسي، إن موسكو طرحت مقترح نقل اليورانيوم المخصب إلى أراضيها كحل لإنقاذ المفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني، في محاولة للخروج من عنق الزجاجة الذي تعيشه الأزمة الحالية.
وأكد في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن المقترح الروسي يقضي بنقل اليورانيوم مقابل رفع العقوبات المفروضة على طهران، وقد تم عرضه على جميع الأطراف المعنية كصيغة تفاوضية متوازنة.
ونفى البني وجود أي صفقة غير معلنة بين روسيا والغرب تقضي بالمقايضة بين الملف النووي الإيراني وتهدئة الجبهة الأوكرانية، مؤكدًا أن موسكو لم تطلب تنازلات من هذا النوع، بل على العكس، تُشدد عملياتها العسكرية وتُحرز تقدمًا ميدانيًا.
وأشار إلى أن القوات الروسية تواصل تعزيز سيطرتها في عدد من المناطق والقرى الواقعة في خاركيف وسومي، كما بدأت في تنفيذ خطوات عملية لإقامة منطقة عازلة، بما يعكس مضيها قدمًا في تنفيذ أهدافها الاستراتيجية.
واستبعد الخبير في الشؤون الروسية احتمالات اندلاع مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل في المدى القريب، موضحًا أن الطرفين لا يزالان يمتلكان أدوات الردع؛ فإيران تملك صواريخ قادرة على استهداف العمق الإسرائيلي، بينما تحتفظ تل أبيب بترسانة جوية وقنابل موجهة يمكن استخدامها ضد طهران.
ورجّح المحلل السياسي أن قبول الطرفين للوساطة الروسية قد يصبح خيارًا مطروحًا في حال استُنزفت قدراتهما في جولات القصف المتبادل، معتبرًا أن مقترح نقل اليورانيوم إلى روسيا يبقى، حتى الآن، الفكرة الوحيدة القابلة للتطبيق، التي قد تسهم في كبح التصعيد وتفكيك الأزمة.
من جانبه، أشار كارزان حميد، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأوروبية، إلى أن الإشكالية الأساسية في التعامل الدولي مع إيران تكمن في غياب المنطق العقلاني، موضحًا أن القوى الكبرى تلجأ إلى فرض الشروط بالقوة العسكرية بدلًا من اعتماد الحلول الدبلوماسية، متجاهلة طبيعة النظام الحاكم في طهران.
وقال المحلل السياسي في تصريحات لـ"إرم نيوز" إن دول الخليج كانت قد طالبت منذ مفاوضات اتفاق 2015 النووي بإشراكها في المفاوضات، خصوصًا في ملف الصواريخ الباليستية الإيرانية التي تُهدد الأمن العربي، إلا أن الدول الأوروبية، وحتى الولايات المتحدة – بحسب تعبيره – لم تتعامل مع هذه المطالب بجدية، واعتبرتها مسألة ثانوية لا تمثل تهديدًا مباشرًا لها.
وأوضح أن روسيا، بحكم علاقاتها الاستراتيجية مع إيران، تُدرك أبعاد اللعبة السياسية المُدارة ضد طهران، وتسعى لإنقاذ الموقف قدر الإمكان بما لديها من أدوات.
وأضاف المحلل السياسي أن موسكو ترى أن نقل اليورانيوم الإيراني أو تفكيك بعض المنشآت النووية لا يمكن أن يتم دون ضمانات دولية مكتوبة، تضمن وقف أي استهداف عسكري مستقبلي لإيران.
وتساءل: "هل سيكون نقل اليورانيوم إلى موسكو نهاية القصة؟ وهل تتخلى طهران فعليًا عن مشروعها النووي، أم تنقله إلى مكان أكثر أمانًا لاستكماله لاحقًا؟".
وشدّد حميد على أن التهدئة بين إيران وإسرائيل تبدو مستبعدة، حتى لو لم تكن لدى طهران قنبلة نووية، معتبرًا أن "العقلية الإيرانية ذات طموحات توسعية إمبراطورية"، وفي الوقت نفسه يحمل نتنياهو توجّهًا عسكريًا واضحًا، يشعل المنطقة تحت شعار الحرب من أجل الحرب.
واعتبر حميد أن الطرح الروسي وربما الصيني لاحقًا هو الأقرب لإعادة فتح باب المفاوضات، أو على الأقل تهدئة الأوضاع، خاصة وأن روسيا ترى في الأزمة فرصة لتصفية حساباتها مع إسرائيل والدول الداعمة لها، خاصة بسبب مواقفها من حرب أوكرانيا، مؤكدًا أن حلّ هذا التشابك يتطلب خطوات مدروسة بدقة.
وشكّك في إمكانية نجاح المبادرة الروسية عسكريًا أو سياسيًا، وأيضًا استبعاد إسرائيل من جر الولايات المتحدة إلى مواجهة مباشرة مع إيران، خاصة وأن قدرة تل أبيب على تحمل الضربات محدودة، وربما لا تصمد لأكثر من 10 أيام.
وأشار الخبير في الشؤون الروسية إلى أن الأوروبيين بدورهم لا يملكون خطة واضحة للتعامل مع الملف النووي، خاصة منذ انسحابهم من الاتفاق العام 2018، إما دعمًا لسياسات ترامب أو خوفًا من تداعيات المواجهة.