بعد 12 يومًا على بدء المواجهات الإسرائيلية الإيرانية، وعقب يومين على الضربة الأمريكية على منشآت إيران النووية، ردّت إيران بضربات صاروخية على قواعد أمريكية في قطر والعراق، بعد أن أبلغت واشنطن والدوحة قبل ساعتين من موعد الهجوم.
وليعلن بعدها ترامب عن وقف لإطلاق النار بين طهران وتل أبيب ما زال هشًّا حتى اللحظة .
وفقًا لمراقبين، يبدو أنَّ هذا السيناريو معدٌّ سلفًا، على الأقل في شكل الخاتمة "المتفق عليها" بين الأطراف، حيث أمّن هذا السيناريو نزول الأطراف جميعًا عن "الشجرة"، في مسعى للتوجه نحو جولة جديدة من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة.
إذاً؛ ماذا حقق كل من الأطراف الثلاثة خلال هذه "الحرب المكثفة"، وما هي تفاصيل "الصفقة" التي تم إبرامها لمنع امتداد المواجهات وإطالة أمد الحرب، وما هي المآلات المتوقعة في المستقبل القريب ؟
الكاتب والباحث السياسي السوري، مالك الحافظ، يعتقد أن الضربة العسكرية التي نُفذت ضد المنشآت النووية الإيرانية، كانت جزءا من "استراتيجية ترامبية مزدوجة"، فمن جهة، تأكيد الهيبة العسكرية الأمريكية بعد سنوات من التردد، ومن جهة أخرى، خلق بيئة مناسبة لإطلاق تفاوض جديد من موقع قوة، وليس من موقع الشكوى أو الضغط البارد.
ويضيف في تصريحات لـ "إرم نيوز" أن ترامب يتعامل مع الحروب كعقود تفاوضية مغلّفة بالتهديد، وغالباً ما يتعامل مع الأزمات الإقليمية وفق نموذج الصفقة لا الاستراتيجية الطويلة.
في هذا السياق، يرى الحافظ أن الضربات الجوية ضد إيران حملت رسالة مفادها أن الإدارة الأمريكية قادرة على تقويض البرنامج النووي الإيراني في أي لحظة، لكنها لا ترغب بذلك إذا تم التوصل إلى تفاهم. أما السماح بالرد الإيراني الرمزي؛ عبر صواريخ استهدفت قاعدة "العديد" دون أن تُسفر عن إصابات أو تصعيد مضاد، فقد كان أشبه بباب خلفي يتيح لطهران حفظ ماء وجهها دون أن تخسر ساحة التفاوض.
في هذه اللحظة الحرجة، يقول الباحث السياسي السوري، جاء إعلان ترامب عن وقف الحرب، ليقدّمه للداخل الأمريكي على أنه منقذ العالم من مواجهة كبرى في الشرق الأوسط، وليقدّم نفسه في السياسة الخارجية على أنه رئيس قادر على ضرب إيران، ثم إجلاسها على طاولة التهدئة دون خسائر مباشرة.
وهنا تتداخل المسارات، وفقًا للحافظ، فتصريح "المستقبل المزدهر لإيران" لم يكن وعداً اقتصادياً بقدر ما كان عرضاً سياسياً مشروطاً، المقصود منه أن طهران، إذا قبلت بالشروط الجديدة، يمكنها أن تنجو من الحصار وتخرج من عزلتها، وتستعيد تدريجياً بعض مواقعها الاقتصادية والدبلوماسية في النظام الدولي.
أما في ما يتصل بمصير المفاوضات النووية، فيشير الحافظ إلى أن الضربة العسكرية الأمريكية كانت عطّلت جزئياً القناة التي كانت تتشكّل منذ نيسان في عُمان، لكنها لم تُغلقها بالكامل. وفي اللحظة الراهنة حصل العكس، فقد فتحت الباب أمام تسوية من نوع جديد، تقوم على منطق "الضغط حتى حافة الانفجار ثم الرجوع بشروط جديدة". فمن المتوقع أن تُستأنف المفاوضات، لكن ليس وفق مسار الاتفاق النووي الكلاسيكي، وإنما ضمن ترتيبات جزئية، كتجميد التخصيب عند سقف معين، مقابل تخفيف محدود للعقوبات، خصوصاً في قطاع النفط.
هذه التهدئة لا تعني، كما يقول الباحث السياسي، أن واشنطن تجاوزت حساسية النظام الإيراني أو نسيت تاريخه في دعم الميليشيات وتوسيع النفوذ. لكنها تعني ببساطة أن الإدارة الأمريكية الحالية تعتبر أن التعامل مع نظام قوي ومحاصر، أفضل من انهيار مفاجئ قد يفتح الباب أمام فوضى غير محسوبة. وبعبارة أخرى، ليست هناك مشكلة مبدئية مع النظام الإيراني طالما أنه قابل للضبط والتفاهم، ولو من موقع الصلابة. وهذا ما يُفسّر لماذا قبل ترامب بتهدئة الموقف بعد أن حقق لإسرائيل رغبتها بتوجيه الضربة التي كانت تلحّ عليها منذ سنوات.
من هنا، يوضح مالك الحافظ، أنه يمكن القول: إن ترامب قدّم لإسرائيل ما كانت تطلبه، ضربة قوية للمنشآت النووية الإيرانية، لكنه في الوقت نفسه أغلق الباب أمام تحول هذه الضربة إلى حرب مفتوحة، مانعاً تل أبيب من الاستفراد بالمشهد. فالمعادلة التي يسعى إليها الآن هي؛ "إيران غير نووية، لكن باقية. وإسرائيل مُطمئنة أمنياً، لكن غير مطلقة اليد سياسياً. وبينهما، إدارة أمريكية تفاوض من موقع القوة، وتبيع هذا المشهد كإنجاز في الداخل والخارج".
ويخلص الحافظ إلى أن "ما سيحصل بعد إعلان وقف إطلاق النار مرهون بقدرة الأطراف على إدارة لحظة التعليق. إيران تريد إعادة تأهيل نفسها، والغرب يريد ضبطها وليس إسقاطها. أما ترامب، فهو يريد أن يدخل التاريخ من بوابة "الرئيس الذي قصف ثم صالح".
ويختم: بين تلك الأطراف جميعاً، بدأت تتشكل ملامح معادلة إقليمية جديدة، لا تستند إلى التفوق المطلق، وإنما إلى معادلة "التوازن غير المستقر"، التي يمكن أن تُفضي إلى تسوية، كما يمكن أن تعود إلى الانفجار عند أول اختبار، وفقا للكاتب والمحلل السياسي .
من جهته، يوافق الخبير الأمني ومدير مركز لغات الأمن في عمان بالأردن، عامر السبايلة، على توصيف ما حصل بأنه "صفقة"، مؤكدًا أنها جاءت بعد قيام إسرائيل بتوجيه ضربة حقيقية للداخل الإيراني وللحرس الثوري واغتيال قادة وتوجيه ضربة للبرنامج النووي، وطبعا بلا شك ضربات عميقة أيضا فيما يتعلق بقدرات إيران العسكرية.
ومن وجهة نظر السبايلة، فإن هذا كله يهيئ إلى فكرة أن إسرائيل حصلت على ما يسمى "النصر العملي" في مواجهة إيران لتكون إيران بعد خسارة كل الأذرع في المنطقة أمام أزمة انتقلت إلى الداخل الإيراني، وهذا يعني أن إيران أصبحت أيضًا أمام محطة تغيير مهمة، لأن كل أدبياتها السابقة وكل سياساتها لا بدّ من إعادة النظر بها إذا ما أراد هذا النظام أن يَعبر إلى المرحلة القادمة وأن يتم قبوله دوليا.
يقول الخبير الأمني الأردني، إن هناك شروطًا كثيرة لهذه الصفقة، معربًا عن اعتقاده أنها "صفقة التغيير الجذري في إيران وفي سياسات إيران"، وبالتالي هذا ما يسمح للرئيس ترامب الآن بالحديث عن مستقبل مزدهر في هذه العلاقة.
ويخلص السبايلة إلى أن "الهجوم الإيراني الأخير، هو هجوم "رد اعتبار" قبل الجلوس إلى الطاولة، وهو فعليا ضمن المكاسب السياسية بالنسبة لإسرائيل؛ لأن إيران أُجبرت في النهاية على الجلوس إلى الطاولة، لكن رُفعت عنها صفة المهزوم، وفقًا للخبير الأمني الأردني.