أكد خبراء في العلاقات الدولية، أن النسخة الثانية من اجتماعات روسيا، والصين، وإيران، التي جرت، مؤخراً، في موسكو، بشأن البرنامج النووي الإيراني، لا تعني انتقال هذا الملف إلى "التكتل الشرقي"، وخروجه من يد الغرب بقيادة الولايات المتحدة.
وأرجعوا ذلك في تصريحات لـ"إرم نيوز"، إلى عدة اعتبارات، منها امتلاك الغرب مفاتيح مهمة بالملف الإيراني، في صدارتها العقوبات الدولية ذات التأثير الاقتصادي الكبير على طهران، بجانب دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وأشاروا إلى أن هذه الوساطة التي تعمل عليها اجتماعات الدول الثلاث ليست حصرية، ولكنها تشاركية تُظهر أن هناك أطرافاً أخرى تستطيع أن تؤثر في إيران، لإيجاد حلول لـ"النووي الإيراني" عبر أبواب التفاوض، والبعد عن المواجهة العسكرية والصدام.
ولكن في الوقت ذاته، شددوا على أن هذا الاجتماع الثلاثي يظهر من جهة أخرى تغير موازين القوى بشكل فعلي، ووجود تحول جيوسياسي للتعامل مع الملفات الحساسة في الشرق الأوسط من جانب موسكو وبكين، مرجحين رجوع ذلك إلى سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "المنشغلة" بأكثر من جبهة كالحرب الأوكرانية، والرسوم الجمركية، فضلاً عن عدم قدرة إدارته على التعامل مع طهران.
وانطلقت، مؤخراً، في موسكو، مشاورات بين روسيا، والصين، وإيران، بشأن البرنامج النووي الإيراني بعد أن كان الانعقاد الأول لهذه الاجتماعات، في 14 مارس الماضي، عندما التقى نواب وزراء خارجية الدول الثلاث في بكين.
ويقول الخبير في العلاقات الدولية، الدكتور محمد بايرام، إنها لم تكن المرة الأولى التي تتدخل فيها الصين وروسيا من أجل وساطة في الملف النووي الإيراني، حيث سبق لبكين التدخل مرات عديدة للوساطة في هذا الملف الذي يهمها للغاية لعدة أسباب، منها كون طهران حليفاً غير مباشر لها، فضلاً عن أن امتلاك إيران برنامجاً نووياً غير سلمي، أمر مقلق للصين.
وأوضح "بايرام" في حديث لـ"إرم نيوز"، أن الاجتماع الثلاثي في موسكو يُظهر بالفعل تغير موازين القوى، ووجود تحول جيوسياسي للتعامل مع الملفات الحساسة في الشرق الأوسط، وعلى رأسها "النووي الإيراني"، ومن الممكن أن يعود ذلك إلى تراجع الدور الأمريكي في الكثير من ملفات المنطقة في ظل سياسة ترامب المنشغلة بأكثر من جبهة على المستوى الدولي ، في صدارة ذلك الحرب الأوكرانية، وأيضاً الرسوم الجمركية، فضلاً عن عدم قدرة إدارة الرئيس الجمهوري على التعامل مع طهران.
وبين "بايرام" أن الهجمات الإسرائيلية السابقة، والتهديدات صوب أراضي إيران بضربات أخرى، من الممكن أن تذهب إلى تحويل الصين وروسيا إلى وسطاء حقيقين من أجل تهدئة الموقف، أو إيقاف الضربات العسكرية إلى الداخل الإيراني قبل حدوثها.
وأشار "بايرام" إلى أن روسيا والصين حليفان إستراتيجيان بشكل مباشر أو غير مباشر لطهران، حيث تعد بكين حليفاً اقتصادياً، وموسكو هي الحليف العسكري والسياسي الأقرب لها، وهما بمنزلة شقيقين يريدان توجيه أخيهما الأصغر نحو مسار الصواب.
وذكر "بايرام" أن الملف الإيراني لم ينتقل بالكامل بالتأكيد إلى الشرق مع هذه الاجتماعات، ولكنها محاولة من جانب موسكو وبكين لإعادة صياغة طاولة المفاوضات وفقاً لموازين قوى جديدة، في ظل استمرار امتلاك الغرب مفاتيح مهمة بالملف الإيراني في الصدارة، منها العقوبات الدولية ذات التأثير الاقتصادي الكبير بجانب دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبالتالي هذه الوساطة ليست حصرية، ولكنها تشاركية تظهر أن هناك أطرافاً أخرى تستطيع أن تؤثر في إيران، وكل ذلك من الممكن أن يعود بالملف النووي خطوة إلى أبواب التفاوض والحلول بعيداً عن المواجهة العسكرية والصدام.
وأردف "بايرام" أنه يبقى للصين وروسيا التأثير الأكبر بخصوص النصائح والإرشاد مما سيؤدي، بشكل أو آخر، إلى خفض التوتر بين إيران والولايات المتحدة أو إسرائيل، لا سيما أن موسكو وبكين تمتلكان علاقات جيدة مع تل أبيب، وتسعيان أيضاً إلى تخفيض أجواء الصدام العسكري.
فيما يرى الخبير في الشأن الإيراني محمد عبد السلام ياسين، أن هناك معلومات تدور حول تغييرات في منظومة الحرس الثوري التي تعارض عقد اتفاق مع ترامب، وهو ما يتمثل في صعود جناح إصلاحي بات يملك مفاتيح قوة في داخل هذه المؤسسة الأقوى في قلب النظام الإيراني.
ويؤكد "ياسين" في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن هذا الجناح يعمل، بشكل غير علني، من خلال بعض التفاهمات مع أطراف دولية على إجراء خطوة نحو الوراء في المواجهة مع أمريكا، وفتح صفحة جديدة مع الولايات المتحدة. وبناءً على ذلك، فإن كل التدخلات سواء فيما يتعلق بالصين وروسيا أو غير ذلك، يخدم مساعي هذا الجناح، بما لا يمس هيبة إيران دولياً أو شكل النظام في الداخل.
وتابع "ياسين" أن هناك جناحاً كبيراً إصلاحياً في الداخل له حضور في قلب "الحرس الثوري" يتصاعد دوره، ولديه رغبة بحلحلة الملف النووي، والعودة خطوة إلى الوراء، ولكن حتى لا يظهر أمام العالم أو الداخل أن النظام الإيراني ضعيف، أو أن التراجع جاء نتيجة للضغط الأمريكي، يدفع إلى إعطاء دور للصين وروسيا للتدخل في اجتماعات يكون لها اتصالات مع الغرب، لا سيما أمريكا، لحلحلة بعض النقاط المعقدة في التفاوض. وفي الوقت نفسه، إعطاء أوراق تفاهم لبكين وموسكو تكون في أيديهم دولياً مع الغرب؛ مما يجعلهم يتوجهون إلى دعم عمل هذا الجناح.
وأضاف "عبد السلام" أن هذا الجناح جاهز في التفاوض مباشرة مع ترامب دون وساطات؛ مما يقوّي التوجه للمباحثات، وتراجع سيناريو توجيه الضربات العسكرية لإيران.