الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"

logo
العالم

قارة مثقلة بالتدخلات.. هل يستلهم ترامب تجارب أسلافه في مواجهة فنزويلا؟

مادورو وترامب

منذ تصاعد التهديدات الأمريكية الأخيرة ضد فنزويلا، وبينها عمليات عسكرية محدودة في البحر الكاريبي وتشديد غير مسبوق للعقوبات، عاد إلى الواجهة سؤال قديم بصياغة جديدة: هل يجرّب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نسخة محدثة من الوصفات التي استخدمتها واشنطن طوال عقود لإسقاط أنظمة في أمريكا اللاتينية؟

وإذا كان التاريخ مليئًا بالشواهد على تدخلات أمريكية نجحت عسكريًا وفشلت سياسيًا، فإن التجربة الفنزويلية الحالية تبدو مختلفة في عناصرها وسياقها، وفي موازين القوى داخل قارة لم تعد تتلقى التوجيهات الأمريكية بالسهولة ذاتها. 

أخبار ذات علاقة

الرئيس الفنزويلي ونظيره الكوبي

هافانا تتهم واشنطن بالسعي لـ"خلق فتنة" مع فنزويلا

ذاكرة القارة.. من غواتيمالا إلى بنما

يحمل اللاتينيون ذاكرة مثقلة بتدخلات أمريكية تركت ندوبًا عميقة في السياسة والمجتمع، بدءًا من غواتيمالا عام 1954، حين أطاحت وكالة الاستخبارات الأمريكية بالرئيس يعقوب أربينز بذريعة "الخطر الشيوعي"، مرورًا بتشيلي عام 1973، حين دعمت إدارة نيكسون انقلاب الجنرال بينوشيه ضد سلفادور أليندي، ثم نيكاراغوا في الثمانينيات، حين مولت واشنطن "الكونترا" لإسقاط حكومة الساندينيستا بدعوى "مواجهة النفوذ السوفييتي"، وصولًا إلى غرينادا ثم بنما عام 1989، حين لجأت الولايات المتحدة إلى الغزو المباشر.

رغم اختلاف الظروف وتباين الأنظمة، ظل القاسم المشترك هو السعي الأمريكي لفرض نموذج سياسي يناسب مصالحها الجيوسياسية. وقد أثمرت تلك التدخلات بتغييرات سريعة أحيانًا، لكن نتائجها البعيدة لم تكن مستقرة، بل خلفت أنظمة استبدادية، أو حروبًا أهلية، أو فراغات أمنية انتهت بعودة مناهضي واشنطن إلى السلطة، كما حدث في نيكاراغوا لاحقًا.

ترامب.. دوافع انتخابية بغطاء أمني

بعكس رؤساء الحرب الباردة الذين كانوا يرفعون شعار "مواجهة الشيوعية"، يتحرك ترامب اليوم بدوافع مختلفة، أقرب إلى الداخل الأمريكي منها إلى لعبة النفوذ الدولي. فخطابه يرتكز على الهجرة والمخدرات، وعلى ما يعتبره "خطر عصابات فنزويلية عابرة للحدود"، مثل "ترين دي أراوغا"، وعلى "الناركوتيرور" الذي يتهم مادورو بتغذيته.

هذا التحول في الدوافع كما يقول الخبراء مهم، فبدلًا من أن يكون الهدف سياسيًا أيديولوجيًا كما في السابق، بات جزءًا من خطاب تعبئة انتخابية موجهة لقاعدته المحافظة، التي ترى في التشدد الأمني والحزم العسكري ركائز أساسية للسياسة الخارجية.
ورغم أن واشنطن تروج لخطاب "استعادة الديمقراطية" في فنزويلا، إلا أن هذا البعد يبدو ثانويًا أمام التركيز المكثف على أمن الحدود ومكافحة المخدرات.

بهذا، تظهر مغامرة ترامب أقرب إلى "عملية أمن داخلي خارج الحدود" منها إلى مشروع تغيير نظام بالمعنى التقليدي. 

أخبار ذات علاقة

أمريكا

ترامب يقترب من الزناد.. ضربات متوقعة داخل فنزويلا من "المسافة صفر" (فيديو إرم)

أدوات جديدة.. بنفس الروح القديمة

تتجنب إدارة ترامب - حتى الآن - سيناريو الغزو المباشر الذي طبع تدخلات واشنطن في القرن العشرين، وتلجأ بدلًا من ذلك إلى مزيج مركب من الأدوات، من قبيل، أولًا؛ عقوبات اقتصادية مالية خانقة تستهدف النفط، والذهب، والتحويلات، والقطاع المصرفي، وشبكات شخصية داخل النظام، في محاولة لقطع شرايين التمويل.

وثانيًا تصعيد عسكري محسوب، مثل العمليات في البحر الكاريبي ضد سفن يُتهم أصحابها بالتهريب، والتحركات البحرية والجوية، وتلويحات بأن "كل الخيارات مطروحة". وثالثًا تسويق قانوني إعلامي، عبر وصف شبكات الجريمة المنظمة الفنزويلية بأنها "تهديد للأمن القومي الأمريكي"، ومحاولة الربط بينها وبين القيادة الفنزويلية.

بهذه المقاربة، تستخدم واشنطن نسخة محدثة من أدوات الضغط، دون الذهاب مباشرة إلى انقلاب أو غزو، لكنها تترك الباب مفتوحًا أمام "ضربة جراحية" إذا اعتبرت أن الظروف السياسية مواتية.

قارة تغيّر موقفها

على خلاف عقود سابقة كانت فيها واشنطن اللاعب الأوحد، تواجه الولايات المتحدة اليوم قارة شبه موحدة ضد أي تدخل عسكري، حتى من دول لا تتفق سياسيًا مع مادورو. الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، الذي يختلف أيديولوجيًا مع فنزويلا، حذر من أن أي هجوم أمريكي قد يتحول إلى "فيتنام جديدة" للمنطقة.

أما الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو، ورغم خلافه الكبير مع نظام مادورو، أعلن رفضه القاطع لأي عملية عسكرية أمريكية، لأنها "تهدد أمن القارة وتعيد عقارب الساعة عقودًا إلى الوراء". ومعظم دول أمريكا اللاتينية، اليسارية والمحافظة على حد سواء، تفضّل حلًا تفاوضيًا؛ خوفًا من موجات نزوح ضخمة وأزمة إنسانية تمتد من الكاريبي حتى المكسيك.

هذه الجبهة اللاتينية الرافضة تجعل مبادرة ترامب أكثر تعقيدًا، لأن الغطاء الإقليمي الذي كان متوفرًا في الخمسينيات والسبعينيات لم يعد موجودًا.

أخبار ذات علاقة

الجيش الفنزويلي

"دولة الرمال".. ما الذي يثير مخاوف الجيش الأمريكي من "فخ" فنزويلا؟

فنزويلا.. نظام يستعد لحرب طويلة

تشير تقارير بحثية إلى أن فنزويلا أعادت منذ سنوات بناء منظومة دفاعية تعتمد على انتشار وحدات صغيرة في الأرياف والمراكز الحضرية، وتكتيكات حرب عصابات، ونقاط تحصين في الغابات، ومرونة عالية في الاتصالات العسكرية. ما يعني أن أي تدخل عسكري لن يكون شبيهًا بـ"غرينادا" أو "بنما"، بل قد يتحول إلى حرب استنزاف، خاصة مع وجود قوات مساندة وشبكات محلية مؤيدة للنظام.

كما أن الجيش الفنزويلي - بخلاف جيوش عدة سقطت في انقلابات سريعة - متداخل عضويًا مع السلطة السياسية، ما يجعل احتمال انهياره في الأيام الأولى ضعيفًا.

هل يكرر ترامب تجربة أثبتت فشلها؟

بالنظر إلى النماذج التاريخية، نادرًا ما نجحت التدخلات الأمريكية في بناء أنظمة مستقرة، وغالبًا ما عززت التيارات المعادية لواشنطن داخل القارة. اليوم، ومع تضامن لاتيني واسع مع رفض التدخل، وانقسام أمريكي داخلي حول جدوى أي مغامرة، ومع استعداد فنزويلا لـ"مقاومة طويلة"، تبدو مغامرة إسقاط مادورو مكلفة وغير مضمونة النتائج.

قد يحقق ترامب "نصرًا سريعًا" على مستوى العنوان السياسي، لكنه يغامر بفتح صندوق تاريخي مليء بالفوضى، قد تكون نتائجه عكسية تمامًا على النفوذ الأمريكي في القارة.. وربما على استقرار الكاريبي نفسه.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC