logo
العالم

انقسامات داخلية وتهديدات خارجية.. وحدة أوروبا تواجه اختبارا حاسما

أعلام دول الاتحاد الأوروبيالمصدر: غيتي

تواجه القارة الأوروبية اختبارًا حاسمًا لوحدتها، إذ تتعمق الانقسامات الداخلية في وقت تتزايد فيه التهديدات الخارجية، من الحرب في أوكرانيا إلى التراجع الأمريكي عن ضماناته الأمنية. 

ويحذر خبراء من أن الصراع بين شمالي القارة وجنوبها، وهو صراع كان يقتصر سابقًا على خلافات الميزانية، تحوّل إلى صدام ثقافي وقيمي يهدد أسس المشروع الأوروبي.

الانقسام التاريخي يتجدد

يصف المحللون الانقسام الشمالي الجنوبي بأنه "الهوة العنيدة" التي تمتد جذورها لعقود. وبحسب معهد الدراسات الأوروبية، فإن هذا الانقسام تجاوز المؤشرات الاقتصادية ليشمل التصورات النمطية ومسألة المسؤولية. 

يشير إندرميت غيل، كبير الاقتصاديين في البنك الدولي، إلى أن الاقتصاد الأوروبي يشبه ثلاثة مسارات: مسار بطيء في غرب أوروبا، ومسار سريع في شرقها، ومسار ثالث في الجنوب "حيث تسير السيارات بالعكس".

خلال أزمة كورونا، تجلى هذا الانقسام بوضوح؛ فقد هددت ما يسمى بـ"الدول المقتصدة" - السويد والدنمارك والنمسا وفنلندا وهولندا - المشروع الأوروبي بإصرارها على خفض حزمة الإنقاذ من 750 مليار يورو، مما أثار غضب فرنسا وألمانيا.

أخبار ذات علاقة

عامل انقاذ في موقع دمره القصف الروسي داخل أوكرانيا

أوروبا على خط النار.. سيناريوهات الحرب بين روسيا والناتو

صراع القيم وسيادة القانون

يرى الخبير تينو ساناداجي أن الخلاف الحالي ليس حول المال بل حول القيم والثقافة، مشيرًا إلى أن الانقسام يعكس اختلافًا جوهريًا في أخلاقيات العمل والانضباط المالي بين الشمال والجنوب.

لكن الخبير الاقتصادي اليوناني ثيودور بيلاجيديس يرفض هذا التفسير الثقافي، مؤكدًا أن السياسات الاقتصادية هي المحدد الرئيسي.

ويستشهد ببيانات منظمة التعاون الاقتصادي التي تُظهر أن الأوروبيين الجنوبيين يعملون ساعات أكثر من نظرائهم الشماليين (2032 ساعة سنويًا في اليونان مقابل 1413 في ألمانيا).

تهديدات متعددة الأبعاد

أظهر استطلاع شامل أجراه معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية في نهاية 2024، أن هزيمة أوكرانيا والتخلي الأمريكي عن الضمانات الأمنية يشكلان أكبر التهديدات لمصالح الاتحاد الأوروبي.

ووصف جوزيب بوريل، الممثل الأعلى السابق للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، معضلة أوروبا قائلاً: "كانت أوروبا مستعدة بشكل سيئ لقسوة العالم لأن مشروع الوحدة الأوروبية بُني في معارضة فكرة سياسات القوة ذاتها".

 وأضاف أن 24 فبراير 2022 أعاد القسوة المنسية إلى أوروبا بكثافة.

أخبار ذات علاقة

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف

لافروف: أوروبا "تصب الزيت على النار" في الشرق الأوسط

الانقسام الشرقي-الغربي الجديد

إلى جانب التوتر الشمالي الجنوبي، برز انقسام جديد بين شرق وغرب القارة حول التعامل مع روسيا.

فبينما تطالب دول البلطيق وبولندا بأقسى العقوبات ودعم عسكري أكبر لأوكرانيا، تبدو دول غربية كإيطاليا وفرنسا وألمانيا أكثر ميلاً للتسوية.

يحذر محللون في مجلة "يورو إنتليجنس" من أن الاتحاد الأوروبي "يظهر عدم استعداده لعالم الرغبي الجيوسياسي"، مشيرين إلى أن مؤسساته سيئة التكيف مع إدارة الأزمات.

تحديات 2026

يواجه الاتحاد الأوروبي في 2026 تحديات غير مسبوقة، بحسب تحليل مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية؛ فقد أوضحت استراتيجية الأمن القومي الأمريكية الجديدة أن واشنطن تتوقع من أوروبا العناية بأمنها الخاص، مع تأييد صريح للأحزاب القومية اليمينية - وهو تحوّل دراماتيكي عن السياسة الأمريكية التقليدية الداعمة للتكامل الأوروبي.

هل هناك أمل؟

رغم التحديات، أظهر استطلاع البرلمان الأوروبي لشتاء 2025 أن 89% من المواطنين يرون ضرورة أن تتصرف الدول الأعضاء بمزيد من الوحدة لمواجهة التحديات العالمية، و66% يريدون دورًا أكبر للاتحاد في حمايتهم.

أخبار ذات علاقة

علم الاتحاد الأوروبي

فشل مؤسسي وانقسام داخلي.. ماذا ينتظر أوروبا في أزمتها الوجودية لعام 2026؟

يقترح مارتينش ستاكيس، عضو البرلمان الأوروبي عن لاتفيا، أن الجسر بين الشمال والجنوب يمكن أن يُبنى على المرونة المجتمعية أمام الاضطرابات الكبرى، سواء من الحرب أو الكوارث المناخية، مؤكدًا أن "الاستعداد الحقيقي يبدأ بالثقة بين الناس".

لكن رئيس الوزراء البلجيكي بارت دي فيفر كان أكثر صراحة، مشيرًا إلى أن "لا أحد في الغرب يؤمن بهزيمة روسيا"، محذرًا من أن كل طرف "يبحث عن مصلحته - مصرفه، ومركزه، وناخبيه".

السؤال الآن: هل يمكن لأوروبا أن تتجاوز خلافاتها الداخلية وتظهر كقوة جيوسياسية موحدة، أم أن الصدوع القديمة ستتسع لتهدد مشروع السلام الذي استمر ثمانية عقود؟

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC