أعادت حرب الـ 12 يوماً في يونيو/ حزيران الماضي، بين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة، وإيران من جهة أخرى، تشكيل المشهد الاستراتيجي للانتشار النووي، مبرزة الفروقات الحاسمة بين نهجي طهران وكوريا الشمالية لامتلاك السلاح النووي.
ووفق تقرير لمجلة "فورين أفيرز" كشفت الضربات الجوية التي دمرت منشآت إيران النووية الرئيسية في نطنز وفوردو وأصفهان عن هشاشة استراتيجية طهران، التي اعتمدت على التحوط النووي لعقود، بينما نجحت بيونغ يانغ في بناء ترسانة نووية متنامية، متفادية الأخطاء التي أدت إلى انهيار البرنامج الإيراني.
لعقود، اعتمدت إيران استراتيجية "العتبة النووية"، حيث طورت المعرفة والتكنولوجيا اللازمة لصنع قنبلة نووية دون عبور خط التسلح، مفضلة المماطلة السياسية والدبلوماسية.
وبدأت هذه الاستراتيجية في سبعينيات القرن الماضي تحت حكم الشاه، واستمرت "الجمهورية الإسلامية" في تطوير قدراتها سراً خلال الحرب العراقية الإيرانية، لتضع طهران في 1989 خطة AMAD لتطوير الأسلحة النووية التي اضطرّت إلى تجميدها في 2003 بعد الكشف عن أنشطتها، مفضلة التفاوض مع الغرب.
ونجحت هذه الاستراتيجية مؤقتاً، حيث أدت إلى توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2015، التي خففت العقوبات مقابل قيود على برنامجها النووي، لكن هذا النجاح كان هشًا، إذ انسحبت إدارة ترامب من الاتفاق عام 2018، مما دفع إيران لتخزين يورانيوم مخصب بدرجات نقاء تقترب من مستوى الأسلحة.
على النقيض، اتخذت كوريا الشمالية نهجاً أكثر جرأة، فمنذ ستينيات القرن الماضي، ركزت بيونغ يانغ على تطوير برنامج نووي عسكري دون تردد، مستغلة الدبلوماسية كأداة للمماطلة، بدلاً من التخلي عن أهدافها.
خلال أزمة التسعينيات، هددت الولايات المتحدة بضرب مفاعل يونغبيون، لكن إدارة الرئيس الأسبق، بيل كلينتون، اختارت الحل الدبلوماسي، مما أسفر عن الإطار المتفق عليه عام 1994، لتستغل كوريا الشمالية هذا الاتفاق لكسب الوقت، ومواصلة تطوير برنامجها سراً.
وبعد انهيار الإطار عام 2003، انسحبت من معاهدة حظر الانتشار النووي وأجرت أول تجربة نووية عام 2006، فيما اليوم، يمتلك كيم جونغ أون ترسانة نووية متنوعة تشمل صواريخ بعيدة المدى قادرة على استهداف الولايات المتحدة، مما يمنحه موقع قوة استراتيجياً.
يرصد تقرير "فورين أفيرز" عيوب استراتيجية إيران، التي ظهرت خلال حرب الـ 12 يوماً، إذ شلّت الضربات الأمريكية والإسرائيلية منشآتها النووية وقيادتها العسكرية، كاشفة خطأ طهران في الاعتماد على التحوط بدلاً من التسلح الفعلي. كما استخفّت طهران باستعداد واشنطن لدعم تل أبيب عسكرياً، مما جعلها عرضة لهجمات وجودية.
في المقابل، تجنّبت كوريا الشمالية هذه المصيدة من خلال تسريع برنامجها النووي، مستخدمة الدبلوماسية لاختبار عزيمة الولايات المتحدة دون التخلي عن هدفها الأساسي.
صمدت بيونغ يانغ أمام العقوبات والضغوط الدولية، معتمدة على دعم بكين وموسكو، مما عزز قدرتها على ردع أي هجوم.
وتلفت المجلة إلى أن استراتيجية العتبة النووية لم توفر ردعاً كافياً لإيران، فقد دفعت الخصوم لشن هجمات استباقية، كما أن الاعتماد على الدبلوماسية مع قوى كبرى غير مضمونة، مثلما أظهر انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق 2015.
وترى "فورين أفيرز" أن الدول الطامحة لامتلاك أسلحة نووية، مثل تركيا أو كوريا الجنوبية، قد تتجه الآن نحو نهج كوريا الشمالية، مفضلة التسلح السريع والسري على التحوط العلني.