في تطور لافت على جبهة الشمال الشرقي من أوكرانيا، أعلنت السلطات الأوكرانية أن القوات الروسية سيطرت على أربع قرى في منطقة سومي الحدودية، في ما وصفته بمحاولة واضحة لإنشاء «منطقة عازلة» داخل الأراضي الأوكرانية.
وقال حاكم منطقة سومي أوليه هريهوروف، إن القوات الروسية استولت على قرى نوفينكي، وباسيفكا، وفيسيليفكا، وزورافكا، مشيرًا إلى القوات تواصل محاولات التقدم بهدف إقامة منطقة عازلة.
الخطوة أثارت تساؤلات بشأن أهداف موسكو من هذا التحرك، وحدود هذه المنطقة، وما إذا كانت ستُستخدم كورقة تفاوضية في أي اتفاق مستقبلي مع كييف.
واعتبر الخبراء، في تصريحات لـ«إرم نيوز»، أن المنطقة العازلة تسعى موسكو من خلالها إلى حماية عمقها الحدودي من التوغلات الأوكرانية، وربما دفع حدود الاشتباك العسكري إلى داخل الأراضي الأوكرانية.
وقال أستاذ الاستشراق في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، رامي القليوبي، إن فكرة إقامة منطقة عازلة على الحدود الروسية الأوكرانية ليست جديدة، بل طُرحت سابقًا بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية عام 2024، عندما أثارها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في ظل تعرض عدة مقاطعات روسية، مثل بيلغورود وبريانسك، لهجمات متكررة من الجانب الأوكراني باستخدام المسيّرات والصواريخ.
وأوضح القليوبي، في حديث لـ«إرم نيوز»، أن مدينة كورسك شهدت توغلًا أوكرانيًّا حتى وسطها وتعرضت لقصف صاروخي، في حين كان الوضع في مدينة بريانسك أفضل نسبيًّا؛ بسبب الغابات الكثيفة على الحدود.
وأضاف أن مقاطعة غارونش، التي كانت لها حدود مباشرة مع أوكرانيا، أصبحت الآن تجاور جمهورية لوغانسك الشعبية، التي ضمتها روسيا، مشيرًا إلى أن هذه المنطقة لعبت فعليًّا دور المنطقة العازلة.
وفيما يتعلق بمساحة هذه المنطقة، اعتبر القليوبي أن الأمر تقني بالدرجة الأولى، ويعتمد على مدى الصواريخ الأوكرانية وقدرتها على ضرب المناطق الحدودية، موضحًا أن المسافات المتعارف عليها في مثل هذه الحالات تتراوح عادة بين 30 و60 كيلومترًا.
وأشار إلى تصريح سابق لمؤسس إحدى الشركات العسكرية الخاصة، ذكر فيه أن فكرة إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي الأوكرانية طُرحت مرارًا، محذرًا من أن عدم تنفيذها قد يدفع روسيا إلى تطبيقها داخل أراضيها، وهو ما يُعد خيارًا أقل فاعلية من الناحية الاستراتيجية.
وفي ظل انعدام الثقة بين موسكو وكييف، أكد القليوبي أن الدبلوماسية تكون قوية عندما يكون السلاح قويًّا، على حد تعبيره، موضحًا أن الحديث عن إقامة المنطقة العازلة لا يزال غير رسمي، لكنه بات خيارًا تفرضه التطورات الأمنية.
وأعرب القليوبي عن شكوكه في قدرة روسيا على تنفيذ الخطة على نطاق واسع، مشيرًا إلى أن فرض السيطرة على منطقة عازلة ممتدة يتطلب موارد كبيرة، في وقت تركز فيه موسكو جهودها العسكرية على تحقيق تقدم في مقاطعة دونيتسك، استعدادًا لأي مفاوضات مقبلة من موقع قوة.
من جهته، أكد إيفان يواس، مستشار مركز السياسات الخارجية الأوكراني، أن القوات الروسية تسيطر حاليًّا على أربع قرى تقع على الحدود مع أوكرانيا، في خطوة تهدف إلى إنشاء منطقة عازلة.
وأوضح يواس، في تصريحات لـ«إرم نيوز»، أن أوكرانيا تضم إجمالًا 29,831 مستوطنة، تشمل 459 مدينة، و886 مستوطنة حضرية، و27,163 قرية، و1,323 مستوطنة أخرى، لافتًا إلى أن القرى الأربع الواقعة في ما يُعرف بالمنطقة الرمادية، وتمثل جزءًا صغيرًا جدًّا من الأراضي الأوكرانية.
وأضاف أن روسيا، بعد فشلها في السيطرة على أوكرانيا خلال الشهرين الأولين من الحرب الشاملة التي اندلعت عام 2022، تسعى اليوم إلى تحقيق إنجازات نوعية يمكن توظيفها سياسيًّا وإعلاميًّا، سواء في الداخل الروسي لتبرير التضحيات، أو خارجيًّا لإقناع قادة دوليين، مثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بقدرتها على تحقيق مكاسب ميدانية.
واعتبر يواس أن فكرة المنطقة العازلة تندرج ضمن هذه الاستراتيجية، مؤكدًا أن موسكو تعتبرها وسيلة لحماية أراضيها من التوغلات الأوكرانية، خاصة بعد تجربة انتشار الجيش الأوكراني لأكثر من ستة أشهر في منطقة كورسك الروسية، والتي شكّلت تحديًا أمنيًّا واضحًا.
