سلطت صحيفة "التلغراف" البريطانية، في تقرير لها، الضوء على قيام أوكرانيا بالزج بـ "الآلات" إلى "منطقة رمادية" تزخر سماؤها بالمسيّرات الروسية، بدلًا من الجنود لتجنيبهم القتل في خطوط المواجهة.
وقالت الصحيفة، إنه عبر خطوط المواجهة بين أوكرانيا وروسيا، أصبحت الطائرات المسيّرة متواجدة باستمرار، على بُعد أكثر من 10 كيلومترات خلف الخنادق في كلا الاتجاهين؛ ما يجعل الوصول إلى خط المواجهة أو مغادرته أمرًا بالغ الصعوبة.
وحتى في القرى على أطراف خط المواجهة في مدينة "بوكروفسك" الشرقية، تحافظ طائرات المراقبة والهجوم الروسية المُسيّرة، حالياً، على وجودها الدائم.
وإذا قرّرت إحدى المُسيَّرات التي تُحلّق في السماء استهداف طواقم إصلاح الكوابل الكهربائية، فلن تكونَ لديهم فرصة كبيرة للنجاة.
وبالقدر ذاته، تكون عمليات الإخلاء محفوفة بالمخاطر، ويقضي جنود المشاة الآن وقتًا أطول في مخابئهم، رافضين المخاطرة بأي ظهور علني إلا للضرورة القصوى.
وتُسبب الطائرات المسيّرة، سواء كانت انتحارية أو قاذفة قنابل، نحو 70% من إجمالي الخسائر في الحرب في أوكرانيا، ولم يعد من الممكن نقل القوات بأمان إلى مواقعها داخل مركبات مدرعة.
وردًّا على ذلك، يحاول المخططون العسكريون في كييف تقليل عدد الرجال الذين يُرسلون عبر هذه "المنطقة الرمادية" القاتلة، واستبدالهم، حيثما أمكن، بآلات.
ووفق الصحيفة، تُعد كييف رائدة في استخدام الروبوتات التي يمكنها السفر عبر الأرض لتوصيل الإمدادات، واستعادة القتلى، وفي بعض الأحيان، تنفيذ الهجمات.
وقال العقيد بافلو خازان لرؤسائه في عرض تقديمي عام 2023: "نحن بحاجة إلى استبدال الجنود بالروبوتات".
وجادل بأن أوكرانيا لا تستطيع مواكبة مستوى التجنيد الروسي، الذي يبلغ الآن نحو8000 جندي شهريًّا، كما أنها لا تعامل رجالها على أنهم "علب لحم" تُبدّد في هجمات انتحارية.
وأوضح العقيد خازان، وهو قائد سابق للأنظمة غير المأهولة ويعمل الآن في مجال الحرب الإلكترونية، أن "المسيّرات اليوم تعني الحاجة إلى عدد أقل من الرجال للحفاظ على خطوط المواجهة في أجزاء من الجبهة. لكن المسيّرات أرخص من المدفعية وتتطلب عددًا أقل من المشغلين".
وتابع: "نحن على الطريق الصحيح نحو جيش من الآلات"، متكهنًا بمستقبل تتحمل فيه أسراب الطائرات المسيّرة، وليس الرجال، وطأة الهجمات.
وفي مكتب مؤقت بمدينة "دنيبرو"، يعترف عمدة "بوكروفسك"، سيرهي دوبرياك، بأن الأمور بدأت تميل لصالح موسكو، على الأقل فيما يتعلق بالطائرات المسيرة.
ويقول دوبرياك، إن الروس ينتجون الطائرات المسيّرة بكميات كبيرة الآن، لكن قبل أكتوبر/ تشرين الأول عام 2024، كانت أوكرانيا تتمتع بأفضلية في حرب المسيّرات.
وأكدت الصحيفة أن أكثر ما يثير القلق هو وصول طائرة الألياف الضوئية المسيّرة، التي تستخدم نظامًا يتتبع كابلًا إلى المُشغّل، كهاتف لعبة أطفال، إذ لا يجدي نفعًا معها أنظمة الحرب الإلكترونية، كأجهزة التشويش، كونها تسخّر أساليب قديمة الطراز.
وبخلاف الطائرات اللاسلكية المسيّرة التي تحتاج إلى مسار في السماء، تستطيع مسيّرات الألياف الضوئية التسلل إلى الأماكن المغلقة، مثل ثعبان مُحمّل بالمتفجرات.
وتختلف الإحصائيات حول قدرات الطائرات المُسيّرة، إذ يُقال إن روسيا قادرة على جرّ بكرة خلف طائراتها المُسيّرة بحدٍ أقصى يبلغ نحو 50 كيلومترًا.
أما بالنسبة لأوكرانيا، فيقترب الرقم من 30 كيلومترًا، ففي البداية، اشترت كييف بكرات من الصين، لكنها الآن تُصنّعها بنفسها.
ويستغرق تدريب الطيارين وقتًا أيضًا، حيث يجب أن تحلق طائرات الألياف الضوئية المسيّرة على ارتفاعات منخفضة، وبسرعات أبطأ، وعلى شكل حرف "S"، بحيث تترك خلفها بكرة كافية.
ولا يُنصح بالانعطافات الحادة، إذ يمكن لدوارات الطائرة المسيّرة أن تقطع الكابل، وهو رفيع لدرجة أنه يكاد لا يُشعر به حتى على طرف الإصبع.
وهناك حوالي 5% من الطائرات المسيرة التي تستخدمها طائرات هورنتس حاليًا تعمل بالألياف الضوئية.
وإذا كانت أوكرانيا متأخرة في مجال الألياف الضوئية، فقد تقدمت في استخدامها لأنظمة الروبوتات لانتشال ضحاياها.
ففي الربيع، أعلنت كييف عن خطط لنشر 15,000 مركبة أرضية غير مأهولة في الجبهة.
وفي الوضع الراهن، تُعتبر هذه المركبات نادرة نسبيًّا، وهو ما يعكس تكلفتها وحداثتها ومشاكل سوء الأحوال الجوية، لكن المؤيدين يعتقدون أنها ستُحدث تأثيرًا تحويليًّا لا يقل أهمية عن تأثير الطائرات دون طيار التي سبقتها.
وفي أبريل/ نيسان، بدأت فصيلة منصات الروبوت التابعة لكتيبة المتطوعين "ذئاب دافنشي" باستخدام المركبة غير المأهولة "النمل الأبيض" لتوصيل الأسلحة إلى الجبهة ثم إعادة رفاقهم الذين سقطوا في المعارك.
ويمكن للعربة المجنزرة حمل ما يصل إلى 300 كيلوغرام، وتعني التحسينات في أنظمة الاتصالات أن المشغلين يمكنهم الآن الجلوس بعيدًا عن الخطوط الأمامية، والتلاعب بأجهزة التحكم الخاصة بهم بأمان.
ونقلت الصحيفة عن أحد المشغلين قوله إن مركبات الوحدة البرية غير المأهولة قتلت نحو 100 روسي في هجمات انتحارية.
وعندما اقتحمت القوات الروسية مخبأً في بوكروفسك، أرسلت "ذئاب دافنشي" مركبة من طراز "راتيل إس"، تقود العربة ذات العجلات الكبيرة المجهزة بلغم مضاد للدبابات فوق الأرض الوعرة وتدفعها رأسًا على عقب عبر الفتحة.
ووفق المشغل، فإن المخبأ ارتفع بأكمله من شدة الانفجار، ومعه الجندي، في الهواء، وطار ضعف ارتفاع الأشجار.