رئيس البرلمان اللبناني: غارات إسرائيل رسالة لمؤتمر باريس وتكريم لاجتماع الميكانيزم
بعد مرور 140 عامًا على مؤتمر برلين الذي شهد تنافس القوى الإمبريالية على تقاسم أفريقيا، تبرز اليوم إرادة قويّة داخل القارة لإعادة صياغة مسارها التنموي، بعيداً عن التدخلات الخارجية.
وشهدت السنوات الأخيرة ما تصفه مجلة "فورين بوليسي" محاولة القارة لـ "الاستقلال الحقيقي"، مع تركيز متزايد على دور الحكومات، المجتمع المدني، والقطاع الخاص في رسم أجندة أفريقية مستقلة.
لكن في الطريق إلى "الاستقلال التام"، لا تزال أفريقيا تواجه اختلالاً واضحاً في ديناميكيات القوى مع العالم الخارجي، فقد هيمنت تاريخياً الشراكات الغربية تحديداً على أجندات التنمية، حيث خدمت مصالح المانحين أكثر من مصالح القارة.
ويتجلّى هذا الاختلال في التنافس العالمي على المعادن الحيوية، حيث تُنتج دول مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية 70% من الكوبالت العالمي، وتمتلك جنوب أفريقيا مخزونات ضخمة من العناصر الأرضية النادرة، لكن القارة لا تجني سوى 10% من الإيرادات العالمية لهذه الموارد.
ويُعيد هذا النموذج إنتاج أنماط الاستغلال الاستعماري، حيث تُستنزف ثروات القارة دون تحقيق تنمية محلية مستدامة، إضافة إلى ذلك، تعاني الاقتصادات الأفريقية من معايير مزدوجة في التصنيفات الائتمانية، مما يرفع تكلفة الاقتراض إلى مستويات تصل إلى خمسة أضعاف مقارنة بالقروض الميسرة.
وهذه التكاليف الباهظة، إلى جانب ارتفاع خدمة الديون، تحدّ من قدرة الدول على الاستثمار في البنية التحتية والصحة والتعليم، مما يعيق النمو طويل الأمد.
كما أن محاولات فرض نماذج ديمقراطية غربية غير ملائمة للسياقات المحلية أدت إلى زعزعة الاستقرار بدلاً من تعزيزه، مما يعزز الحاجة إلى نهج أفريقي يراعي الخصوصيات المحلية.
رغم هذه التحديات، تشهد أفريقيا تحولاً ملحوظاً نحو قيادة تنميتها بنفسها، إذ تُعد منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، التي دخلت حيز التنفيذ عام 2019، إحدى أبرز المبادرات في هذا السياق.
وتهدف المنطقة إلى خلق سوق موحدة تضم 1.5 مليار شخص، مع توقعات بزيادة الصادرات العالمية لأفريقيا بنسبة 32% بحلول 2035، ورفع التجارة البينية الأفريقية إلى 50% بحلول 2030، وانتشال 30 مليون شخص من الفقر المدقع.
وتمثّل هذه المبادرة فرصة تاريخية لتعزيز النمو الاقتصادي الشامل، لكن نجاحها يعتمد على تنفيذ إصلاحات ذكية مثل رقمنة الجمارك وتسهيل نقل البيانات عبر الحدود.
وفي المجال الصحي، تسعى منصة التصنيع المنسق للمنتجات الصحية الأفريقية إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج اللقاحات والأدوية، بهدف توفير 60% من اللقاحات المستخدمة في القارة بحلول 2040، مقارنة بـ1% حالياً.
هذه الخطوة تعزز الأمن الصحي الإقليمي وتقلل الاعتماد على الخارج، مما يعكس التزام القارة بتحقيق سيادة صحية واقتصادية.
تُعد القوى العاملة الشابة في أفريقيا، التي تشكل أكثر من 60% من سكان القارة دون سن 25 عاماً، أحد أهم أصولها، ففي قطاعات مثل التكنولوجيا والإبداع، يبرز الشباب الأفريقي كمحرك للنمو.
لكن إعادة صياغة العلاقة مع العالم تتطلب شراكات متبادلة المنفعة بدلاً من العلاقات الأبوية، وفي هذا السياق، يبرز دور الاتحاد الأفريقي في مجموعة العشرين، حيث يدفع باتجاه إصلاحات في النظام المالي العالمي لتخفيف تكاليف الاقتراض وتحسين التصنيفات الائتمانية.
كما أن التعاون مع دول مثل جنوب أفريقيا، التي تترأس مجموعة العشرين حاليًا، يوفر منصة لمعالجة قضايا مثل تكلفة رأس المال وإعادة هيكلة الديون السيادية.
وعلى الصعيد المحلي، تظهر نماذج تمويل مبتكرة، مثل منتدى العمل الخيري الأفريقي، الذي يضم أكثر من 3500 فاعل خير لدعم التنمية المستدامة، كما أن تحويلات الشتات الأفريقي، التي بلغت 100 مليار دولار في 2024، تمثل مصدراً حيوياً للاستثمار.
وهذه الجهود تعكس التزام القارة بتسخير مواردها الداخلية، بما في ذلك صناديق التقاعد وصناديق الثروة السيادية، لدفع الابتكار وخلق سلاسل قيمة محلية.
على الرغم من هذه الإنجازات، لا تزال هناك تحديات كبيرة، فالفساد وعدم الاستقرار السياسي والتدفقات المالية غير المشروعة تُعيق التقدم، كما تشير إلى ذلك تجربة نيجيريا في استعادة الأموال المنهوبة من الزعيم السابق ساني أباتشا، حيث تُظهر أهمية الشراكات العالمية في تعزيز الشفافية، ولكن تراجع بعض هذه التدابير يُبرز الحاجة إلى التزام مستمر.
كما يجب على الحكومات الأفريقية، وفق "تقرير فورين بوليسي"، تعزيز الحوكمة ومكافحة الفساد لتهيئة بيئة مواتية للاستثمار.