logo
العالم

رقعة الشطرنج النووية.. كيف تؤثر التجارب والتهديدات على الأمن العالمي؟

غواصة نوويةالمصدر: إكس

يشهد العالم اليوم عودة متسارعة للتهديد النووي إلى صدارة الأجندة الدولية، وسط حروب وأزمات مستعرة تشمل أوكرانيا وغزة والقرن الأفريقي وجنوب آسيا. 

ويثير هذا التحوّل المخاوف من سباق تسلح جديد يعيد رسم توازنات القوة ويضع النظام الدولي على حافة هاوية خطيرة.

منذ انطلاق الحرب الروسية في أوكرانيا، رفعت موسكو سقف التهديدات النووية بشكل متكرر. 

ومؤخرًا، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن نجاح تجارب صاروخ "بوريفيستنيك" العامل بالطاقة النووية، والطائرة المسيّرة البحرية "بوسيدون"، وكلاهما قادر على حمل رؤوس نووية متطورة، ما يعكس رغبة روسيا في تعزيز الردع بعيد المدى.

أخبار ذات علاقة

محطة كوري للطاقة النووية في كوريا الجنوبية

كوريا الجنوبية تؤكد التزامها بمعاهدة الحد من الانتشار النووي

في السياق ذاته، كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن قرار بلاده دراسة استئناف التجارب النووية لأول مرة منذ أكثر من ثلاثة عقود، مع تأكيده بقاء القدرة الأمريكية على العودة للاختبار بأي لحظة منذ وقف التجارب عام 1992. 

وردًّا على ذلك، أكد بوتين أن روسيا لن تتردد في محاكاة واشنطن فور اتخاذها أي خطوة عملية في هذا الاتجاه.

ويرى خبراء أن إعلان ترامب يترك غموضًا واسعًا، إذ تتراوح الخيارات الأمريكية بين اختبار تفجيري كامل، أو تجارب "فوق حرجة"، أو حتى اختبارات غير تفجيرية تعتمد على المحاكاة والحوسبة، وهي أنشطة تمارسها دول نووية بشكل روتيني لتعزيز جهوزية ترساناتها.

ترسانة تتوسع بوتيرة لافتة

منذ عام 2020، تضاعف حجم الترسانة النووية الصينية إلى نحو 600 رأس نووي، ويُقدّر أنها تنمو بمعدل يقارب 100 رأس سنويًّا. 

كما أنشأت بكين نحو 350 منصة جديدة للصواريخ الباليستية العابرة للقارات في حقول إطلاق ضخمة شمال البلاد، ما يضعها على مسار قد يشكّل تحديًا مباشرًا للقدرات الاستراتيجية الأمريكية والروسية خلال سنوات قليلة.

ورغم رفض الصين الاعتراف العلني بالتوسع، فإنها تبرره بمفهوم "الموازنة الاستراتيجية"، ما يشير إلى رغبة في الانتقال من قوة ردع محدودة إلى قوة نووية كبرى.

أخبار ذات علاقة

كيم جونغ يصافح أفراد القوات الجوية

ضمن "الردع النووي".. كيم جونغ يمنح سلاح الجو أصولاً ومهامَّ استراتيجية

تثير سياسة واشنطن المتذبذبة تجاه التحالفات قلق شركائها التقليديين مثل كوريا الجنوبية واليابان وألمانيا وبولندا، التي تنظر بخوف إلى تنامي التهديدات من روسيا وكوريا الشمالية والصين. 

وفي المقابل، يبدو أن إيران بدورها تعيد النظر في مسارها النووي بعد الهجمات التي استهدفت منشآتها.

كما تلقي تجربة أوكرانيا بظلال ثقيلة على مستقبل عدم الانتشار، بعدما تخلت كييف عن سلاحها النووي مقابل ضمانات لم تحمِ سيادتها في مواجهة موسكو، ما يعزز قناعة بعض الدول بأن امتلاك الردع النووي قد يكون الضمانة الوحيدة للأمن.

وفي جنوب آسيا، أقرّت باكستان تعديلًا دستوريًّا يضع التحكم الحصري في الأسلحة النووية بيد قائد الجيش عاصم منير، بعد إلغاء الدور الاستراتيجي لهيئة القيادة النووية السابقة. 

ويثير هذا الاحتكار للقرار النووي مخاوف كبيرة لدى الهند، خاصة في ظل تبنّي إسلام أباد سياسة "الاستخدام الأول" في حالات الخطر الوجودي.

تعمل الولايات المتحدة على تطوير مشروع دفاع صاروخي جديد أُطلق عليه اسم "القبة الذهبية"، يعتمد على أجهزة استشعار متقدمة وأقمار صناعية هجومية. 

لكن خبراء التحليلات الاستراتيجية يحذرون من أن أي تطور يهدد مبدأ الردع النووي القائم على "الدمار المتبادل" سيدفع القوى الأخرى إلى تطوير أسلحة أكثر فتكًا وقدرة على الاختراق.

انهيار اتفاقيات الحد من التسلح

شهدت الأعوام الأخيرة انهيارًا واسعًا في منظومة الاتفاقات النووية، بعدما انتهت فعليًّا اتفاقيات الصواريخ المتوسطة والأجواء المفتوحة ونزع الصواريخ الدفاعية، فيما أصبحت معاهدة "ستارت الجديدة" معلّقة وتنتهي في فبراير 2026 دون بوادر للتمديد. 

أخبار ذات علاقة

محطة بوشهر للطاقة النووية في إيران

"قواعد اللعبة" تغيرت.. الغموض النووي يفاقم أزمة "الترويكا الأوروبية" وإيران

كما تتآكل مصداقية معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية بعد انسحاب روسيا من التصديق عليها، ما يهدد بعودة سباق التسلح النووي عالميًّا.

وفي ظل مناخ عدم الثقة السائد، تبدو فرص المفاوضات ضئيلة للغاية، فيما يتسارع الوقت نحو مرحلة جديدة من سباق التسلح النووي وتعدد مراكز القرار العسكري في العالم.

بين ترسانات تكبر، ومجالات اختبار تتوسع، واتفاقيات تتفكك، يبدو أنّ العالم يتجه نحو رقعة شطرنج نووية أكثر ازدحامًا باللاعبين وأقل التزامًا بقواعد إدارة المخاطر، حيث يمكن لقرار خاطئ أو سوء تقدير أن يشعل مواجهة غير مرغوب فيها، بقدرات تدميرية غير مسبوقة.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC