logo
العالم

تعمل على 4 مسارات.. أي صفقة تبحث عنها كوبا مع واشنطن بعد مادورو؟

الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل ونظيره الفنزويلي نيكولاس م...المصدر: (أ ف ب)

بينما تُواصل الولايات المتحدة أنصاف حروبها المعلنة ضدّ فنزويلا، وتستمر في بسط كل هيمنتها الجوية والبحرية على المجال "الكاريبي"، ملوحة تارة بالجزرة وأطوارا بالعصا ضدّ الرئيس نيكولاس مادورو، تنظر كوبا إلى واقع الحال بتشرذم واضح، بين اتّجاه المصالح، واتّجاه المبادئ.

وتؤكد المصادر السياسية من العاصمة الكوبية هافانا، أنّ دوائر اتخاذ القرار الكوبي، تعيش لحظة سياسية حرجة من أكثر الفترات حساسية، ليس فقط لأنّ سقوط نظام الرئيس نيكولاس مادورو قد يدخل البلاد في أزمة اقتصادية كبرى بحكم الصلات المالية والتجارية القائمة بين البلدين، وإنما لأنّ الهدف التالي لماكينة خلط الأوراق وقلب الأنظمة في أمريكا اللاتينية سيتوجه مباشرة إلى كوبا ومن بعدها نيكاراغوا. 

عقوبات أمريكية لا تنتهي 

تشير التقديرات السياسية في هافانا، إلى أنّ إدارة ترامب التي قطعت كل إمكانيات عودة الدفء في درجته الدنيا، إلى العلاقات الأمريكية الكوبية، تفكّر في كوبا بمنطق فنزويلا نفسه، ولولا تراكمية الأحداث التي جعلت فنزويلا تطفو على سطح المشهد الإقليمي والدولي، لكان الدور على هافانا قبل كاراكاس. 

إذ لم تتردد إدارة ترامب خلال عهدتيها الأولى والثانية، وخلال أيامها الأولى من اعتلاء دونالد ترامب لمنصب الرئاسة في البيت الأبيض بـ"الانقلاب" الكامل والشامل على كل الخطوات الودية الخجولة التي قطعتها إدارة باراك أوباما أولا وإدارة جو بايدن ثانيا حيال هافانا.  

وقد ارتبط اسم ترامب ووزير خارجيته ماركو روبيو بحزمة العقوبات الصارمة والثقيلة على كوبا، ففي 16 يونيو 2017، وقع ترامب مذكرة رئاسية للأمن القومي تلغي أجزاء اتفاق أوباما كافة مع الإبقاء فقط على العلاقات الدبلوماسية، وفي القرار نفسه تمّ حظر التعامل مع الشركات التابعة للجيش أو المخابرات أو الأجهزة الأمنية.

وفي مارس 2019، فعّل ترامب ولأول مرة منذ 1996 الباب الثالث من قانون "هلمز بورتون"، الذي يسمح للمواطنين الأمريكيين برفع دعاوى قضائية في المحاكم الأمريكية ضد الشركات التي تتاجر في ممتلكات تمت مصادرتها من الكوبيين بعد الثورة، مع فرض قيود مشددة على التحويلات المالية من الأمريكيين الكوبيين إلى كوبا.

وفي الأسبوع الأخير من ولايته الأولى (بالضبط في 15 يناير 2021)، اختتم ترامب حزمة العقوبات التجارية والاقتصادية القاسية، بإعادة إدراج كوبا في قائمة الدول الراعية للإرهاب، الأمر الذي يفرض مجموعة من العقوبات المالية والقيود على المساعدات الأجنبية.

في المقابل، سعت إدارة جو بايدن إلى الانفتاح جزئيا على كوبا، وحثتها على المضي قدما في إطلاق سراح المئات من السجناء، مقابل رفعها من قائمة الدول الراعية للإرهاب، سيما وأنّ تسريح السجناء حصل بعد طلب من بابا الفاتيكان.

غير أنّ "ترامب الثاني"، لم يف بوعد بايدن، بل أعاد تفعيل منظومة "ماركو روبيو"، في 31 يناير 2025، بإضافة كيانات جديدة مثل شركة Orbit S.A الفاعل الأساسي في معالجة التحويلات المالية، ممّا أوقف التحويلات المالية الإلكترونية.

وفي مارس 2025، فرضت واشنطن عقوبات جديدة على الحكومة الكوبية، قبل أن تعضدها في يوليو 2025 بعقوبات جديدة على شخصيات بارزة في النظام الكوبي بما في ذلك وزيرا الدفاع والداخلية، بل وإدراج حتى فندق "تروي كيه Torre K"، على القائمة المحظورة.

جولة في العقل الاستراتيجي الكوبي

وعلى الرغم من حزمة العقوبات القاسية، إلا أنّ هافانا لم تختر التصعيد، بل أبقت على خطّ العودة مفتوحا من خلال الاستمرار في العمل الدبلوماسي حيث لا تزال سفارتا البلدين تشتغلان بشكل عاديّ. 

في هذا السياق، يُشير الخبراء في الشأن الأمريكي اللاتيني، إلى أنّ نفي هافانا التواصل مع إدارة ترامب حول مصير النظام الفنزويلي، أمر منطقي وعادي؛ فقناة التواصل بين "هافانا وواشنطن"، قائمة بشكل دبلوماسي مؤسساتي، والتنسيق الجماعي ومتعدد الأطراف في مكافحة المخدرات في المنطقة قائم وبمستويات متقدمة.

وفي بسطهم لسلوك "هافانا" حيال إدارة ترامب، يرى الخبراء أنّ كوبا تستثمر حاليا في الوقت السياسي بشكل ذكيّ، وتتجنب أية مواجهة مباشرة قد تكون نتائجها فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية القاسية على الاقتصاد الكوبي الهش؛ فكوبا – وفق المراقبين- تراهن على 3 عوامل أساسية، أوّلا مقاومة حكومة كراكاس للضغوط وصمودها وتجاوزها لهذه المرحلة الصعبة، وثانيها الرهان على التغيير السياسي في الولايات المتحدة من خلال التجديد النصفي في الكونغرس 2026 والذي تؤشر إرهاصاته في عمادة نيويورك إلى أنّه سيكون ديمقراطيا بشكل متقدّم، وثالثها مزيد التّقارب مع روسيا والصين وتطويره إلى حدّ التحالف والتشارك والتشابك، بشكل يصبح إسقاط هافانا خطا أحمر روسيا وصينيا.

هذه التغيرات السياسية القريبة ومتوسطة المدى، تبقى بدورها رهينة متغيرات الواقع في فنزويلا، وشعبية الحزب الديمقراطي وجاهزيته لفرض نموذج "البطة العرجاء" على ترامب، ومدى إحجام وإقدام موسكو وبكين على لعب أدوار متقدمة في الحدائق الخلفية لواشنطن.

التفكير في سيناريو "ما بعد مادورو" 

في هذا السياق، تؤكد الدراسات السياسية والاستراتيجية بشأن المشهد الكوبيّ، أنّ من بين الفرضيات القائمة والمشتغل عليها في هافانا حاليا، تتمثل في الفصل الشرطي والسببيّ بين "إسقاط مادورو" في كاراكاس وسقوط "ميغيل دياز كانيل" في هافانا؛ فلئن كانت دوائر اتخاذ القرار في البيت الأبيض، ترى في عملية إسقاط نظام مادورو، مقدمة لتغيير شامل في المنطقة نحو استبعاد الأنظمة اليسارية من المشهد، فمن حقّ هافانا أن تقلب ظهر المجن، وأن تعمل جاهدة على الفصل بين المقدمات والنتائج.

في هذا المفصل الاستراتيجي، تعمل هافانا وفق 4 مسارات كبرى، دون أن تعني هذه المسارات انقلابا على العلاقات مع كاراكاس، بقدر ما إنها مسافة استراتيجية تُمكنها من تنسيب حجم الآثار والتداعيات السلبية لسيناريو سقوط مادورو عليها.

المسار الأوّل، وهو الاقتصاد، إذ قلصت هافانا كثيرا من التعويل على النفط الفنزويلي لاعتبارات عديدة، على رأسها التكلفة العالية لعملية تنظيفه وتطهيره، وإنشاء مشاريع نفطية وطنية، والدخول في شراكات طاقية جديدة مع المكسيك، الأمر الذي قلص من تدفق النفط الفنزويلي من معدل 100 ألف برميل يوميا ما بين 2008 و2015 إلى 32 ألف برميل بحلول عام 2024، فيما تشير بعض المصادر إلى أنّ الرقم انخفض في 2025. 

أخبار ذات علاقة

ناقلة  "سكيبر" المصادرة

وثائق: الناقلة الفنزويلية المصادرة "سكيبر" شريان حياة سرّي لكوبا

المسار الثاني، وهو المسار السياسيّ، حيث حافظت هافانا على التمثيل الدبلوماسي الأمريكي لديها وتمثيلها الدبلوماسي في واشنطن، ولم تذهب إلى قطع العلاقات الدبلوماسية أو إرجاعها إلى فترة ما قبل الرئيس باراك أوباما.

المسار الثالث، وهو مسار التعاون المشترك في مكافحة الجريمة المنظمة والمخدرات، حيث تقدّم هافانا يد المعونة والمساعدة في الجهود الأمريكية؛ إذ لا تزال – على الرغم من حدّة النبرة الكوبية حيال واشنطن- مذكرة التفاهم الأمريكية الكوبية بشأن إنفاذ القانون وتعزيز الشّراكة في مكافحة المخدرات ومكافحة الإرهاب وغسل الأموال والتي تم توقيعها في يناير 2017، واتفاقية التعاون العملياتي لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية يوليو 2016، ساريتيِّ المفعول، وقد تعززت الاتفاقيات بعمليات مشتركة لقوات حرس الحدود والخوافر البحرية، أسفرت عن ضبط كميات كبيرة من "الماريجوانا"، وسجلت في 2023، نحو 250 عملية ضبط للمخدرات في كوبا لوحدها.

المسار الرابع، هو مجال الهجرة، حيث تتعاون كوبا بشكل لافت مع واشنطن في المستويات الأربعة لملف الهجرة، وهي مستوى تنفيذ الاتفاقيات، واستئناف المحادثات وتسهيل الإجراءات القنصلية وترحيل المهاجرين.

الرهان على "الخطة أ"

وعلى الرغم من كل ما سبق ذكره، فإنّ إدراكا كوبيا عميقا، بأنّ الأفضل والأحسن يكمن دائما في البقاء ضمن "الخطة أ"، والسعي إلى الحيلولة قدر الإمكان إلى تفادي سيناريو سقوط النظام الفنزويلي، فلئن كان بالإمكان التقليص من وطأة التداعيات الاقتصادية، فلا أحد يضمن عدم تحرك ذات القطاعات البحرية إلى هافانا.

والحقيقة أنّ التقدير الكوبي بأنّ سقوط مادورو سيحدث أثر سقوط حجارة الدومينو، له ما يثبته على أرض الواقع، فوزير الخارجية الحالي روبيو يتبنى فكرة تخليص أمريكا اللاتينية من "لوثة اليسار والاشتراكيين"، ويؤمن منذ أن كان نائبا في الكونغرس في 2010 بضرورة إسقاط حكومات الشر، كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا، والأخطر أنّه كان من الجمهوريين البارزين الذين رفعوا الفيتو ضدّ انفتاح إدارة أوباما على هافانا وعلى طهران.

ويُضاف إلى هذا المعطى، الرؤية الأمنية الأمريكية الجديدة، والتي تريد إحياء مبدأ مونرو، وترى في أمريكا اللاتينية مجالا حيويا وعمقا استراتيجيا وأمنيا قوميا للولايات المتحدة الأمريكية، لا بد من إحكام السيطرة عليه وعدم ترك مجالات فارغة وفضاءات شاغرة للفاعلين الروسي والصيني للتسلل عبرهما إلى الحدائق الخلفية لواشنطن. 

أخبار ذات علاقة

وزير الخارجية الكوبي برونو رودريغيز باريا

كوبا تتهم الولايات المتحدة بإحداث "تشويش كهرومغناطيسي" فوق فنزويلا

 

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC