الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"
استُبعدت روسيا للمرة الأولى من مناورات بحرية مشتركة في بحر قزوين العام 2024، في إشارة إلى تراجع نفوذها التاريخي في واحدة من أكثر المناطق حساسية بالنسبة لموسكو، وتحول يعكس إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية في أوراسيا.
وبحسب "جيمس تاون فاونديشن"، جاء هذا التطور على خلفية الحرب في أوكرانيا، التي استنزفت موارد روسيا، وقلّصت قدرتها على الحفاظ على نفوذها التقليدي بين دول القوقاز، وآسيا الوسطى.
وحتى وقت قريب، كان يُنظر إلى بحر قزوين باعتباره "بحيرة روسية"، تهيمن موسكو على توازناته العسكرية والاقتصادية، لكن المشهد تغيّر منذ عام 2020؛ إذ بدأت جمهوريات، مثل أذربيجان وكازاخستان، بدعم مباشر من تركيا، في بناء قوات بحرية حديثة، وفتح مساحات جديدة من التعاون العسكري خارج المظلة الروسية.
ويرى محللون أن التحالف التركي-الأذري، الذي تعمّق بعد حرب ناغورنو كاراباخ عامي 2020 و2023، أصبح ركيزة لتوازن جديد في المنطقة؛ فأنقرة لم تكتفِ بدعم باكو في الصراع المسلح، بل تحوّلت إلى شريك رئيس في تحديث أسطولها البحري، من تدريب الكوادر إلى تصنيع السفن الحربية محليًا، كما أن أذربيجان، بدورها، وجدت في هذا التعاون وسيلة لتعزيز مكانتها كقوة إقليمية صاعدة، ولبناء نفوذ يمتد من القوقاز إلى آسيا الوسطى.
أمّا كازاخستان، فقد تبنّت، منذ العام 2023، نهجًا جديدًا يقوم على تعزيز الدفاعات الساحلية وتحديث أسطولها، وأبرمت اتفاقيات مع شركات تركية لبناء سفن حربية في مصانعها الوطنية، متجاوزة النفوذ الصناعي الروسي الذي حاولت موسكو الحفاظ عليه عبر اتفاقات قديمة.
ومنذ العام 2024، بدأت تتبلور ملامح شبكة تعاون عسكري بين الدول الناطقة بالتركية في آسيا الوسطى. فقد أجرت أذربيجان وكازاخستان مناورات "خزري 2025" المشتركة في القسم الكازاخي من بحر قزوين، بينما شهد العام نفسه أول تدريب عسكري في المنطقة دون مشاركة روسية، بمشاركة أوزبكستان، وطاجيكستان، وقرغيزستان، تحت اسم "بيرلستيك" (الوحدة).
وبحسب مراقبين، فإن هذه التحركات لا تمثل مجرد تدريبات عسكرية، بل تعد مؤشرًا واضحًا على تحوّل موازين القوة في حوض قزوين؛ فالدول الإقليمية تسعى إلى تنويع تحالفاتها الدفاعية وتحرير قراراتها من ثقل النفوذ الروسي، فيما تحاول موسكو التعويض عن خسائرها عبر التقارب مع طهران، التي أصبحت شريكها البحري الرئيسي في المنطقة.
وبينما تعيد الحرب في أوكرانيا تشكيل أولويات روسيا، تستغل دول القوقاز، وآسيا الوسطى، الفرصة لتعزيز استقلالها العسكري والتقني، ولبناء منظومات دفاعية جديدة خارج المدار الروسي، وبهذا المعنى، لم يعُد بحر قزوين ساحة مغلقة لموسكو، بل أصبح ميدانًا مفتوحًا تتقاطع فيه طموحات تركيا وإيران والدول الناشئة، في سباق جديد على النفوذ في قلب أوراسيا.