وجدت كوالالمبور نفسها تترنح على حافة أزمة جيوسياسية غير مسبوقة، بعد أن باتت صفقة شراء مقاتلات سوخوي سو-57 الروسية، التي وُصفت بأنها "نهضة" في قدرات سلاح الجو الماليزي، مهددة بالإلغاء تحت وطأة قانون العقوبات الأمريكي "كاتسا".
كانت الصفقة التي اعتُبرت عنوانًا لنهضة الدفاع الجوي الماليزي تقف على أعتاب التنفيذ، لكنها الآن على وشك الانهيار بسبب شبح قانون العقوبات الأمريكي "كاتسا"؛ فبعد أن أعلنت ماليزيا نيتها شراء مقاتلات سو-57E الشبحية الروسية، بدا أن البلاد تستعد لمرحلة استراتيجية جديدة في تحديث قواتها الجوية. لكن فجأة، تحول الحلم إلى مأزق مرعب.
وكان مقررا أن تستلم القوات الجوية الماليزية أربع طائرات سو-57 في عام 2026، على أن يكتمل السرب بحلول 2030 ضمن الخطة الماليزية الرابعة عشرة، فيما تعد المقاتلة الروسية الشبحية، المصنفة كأحد أخطر الطائرات من الجيل الخامس، "الخيار الذهبي" لتعزيز تفوق ماليزيا الجوي في منطقة متوترة استراتيجياً.
لكن القانون الأمريكي الصارم "كاتسا"، الذي يفرض عقوبات اقتصادية وعسكرية على الدول التي تبرم صفقات سلاح كبرى مع روسيا أو إيران أو كوريا الشمالية، دخل على الخط، مهددًا بتحويل الصفقة إلى قنبلة دبلوماسية موقوتة.
وفي وقت سابق من هذا العام، كان من المفترض أن تتألق طائرتان من طراز سو-57 في معرض الدفاع "ليما 25"، أحد أبرز المعارض العسكرية في آسيا. إحداهما على الأرض، والأخرى في عروض طيران مثيرة. لكنّ الطائرتين لم تحضرا، واختفى التفسير الرسمي.
هذا الغياب الغامض غذّى شائعات مفادها أن الصفقة باتت في مهب الريح، إما بفعل ضغط أمريكي مباشر أو تخوف ماليزي من ردود الفعل السياسية والاقتصادية.
تزداد تعقيدات المشهد مع توقيع ماليزيا اتفاقية تجارية ضخمة مع الولايات المتحدة، بلغت أكثر من 240 مليار دولار، منها: 150 مليار دولار في استثمارات أمريكية بتكنولوجيا الرقائق والفضاء. و 70مليار دولار استثمارات ماليزية داخل أمريكا. و19 مليار دولار في صفقات طائرات بوينغ. و3.4 مليار دولار سنويًا في شراء الغاز الأمريكي، وأكثر من 100 مليون دولار سنويًا في مشتريات الاتصالات والفحم. ويبقى التساؤل يُطرح: هل ستغامر كوالالمبور بعلاقات بهذا الحجم من أجل طائرة شبحية واحدة؟
ويبدو أن القرار أصبح أكثر حساسية من أي وقت مضى، مع قرب زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى ماليزيا في أكتوبر 2025 لحضور قمة "آسيان".
يرى بعض المراقبين أن واشنطن قد تغضّ الطرف سرًا عن الصفقة. لماذا؟ لأن أحدًا لم يُشاهد السو-57 في معركة حقيقية حتى الآن. ولو حصلت ماليزيا، الحليف القديم للولايات المتحدة، على هذه الطائرات، فقد تشكل تدريباتها مع القوات الأمريكية فرصة استخباراتية ثمينة لفحص أدائها.
فقد سبق أن استخدمت ماليزيا طائرات ميغ-29 وسوخوي-30 الروسية، وشاركت بها في مناورات مثل "كوب توفان" و"دي إيه سي تي"، مما أتاح معلومات فنية ثمينة لحلفائها. لكنّ ذلك لا يخلو من مقامرة خطرة، إذ إن "كسب الرؤية التقنية" قد لا يساوي الكلفة السياسية في لعبة التوازنات الدولية.
حتى الآن، لم تؤكد ماليزيا رسميًا الصفقة... ولم تلغها أيضًا. ويبدو أن الوقت ينفد لاتخاذ القرار. فبين مكاسب استراتيجية روسية محتملة، وضغوط اقتصادية أمريكية خانقة، تقف كوالالمبور أمام منعطف قد يعيد تشكيل عقيدتها الدفاعية لعقود مقبلة.
هل تتحدى واشنطن... أم تتراجع أمام سوط العقوبات؟ وهل تتحول "السو-57" من رمز للقوة إلى عبء سياسي مرعب؟. الأيام المقبلة وحدها ستجيب.. لكن من المؤكد أن سماء ماليزيا تغلي، حتى قبل أن تحلق فيها الطائرات الشبحية.