يبدو أن الأعاصير أصبحت جزءًا من لعبة الجغرافيا السياسية، يضع فيها ارتفاع كلفة التعويضات، وإعادة الإعمار، والمساعدات الإنسانية، الدول الفقيرة أمام سؤالٍ مرير: من سيدفع ثمن الكارثة القادمة.. بحسب خبراء.
ودخل إعصار "إيرين" التاريخ كأحدث إعصارٍ من الفئة الخامسة، برياحٍ بلغت 160 ميلاً في الساعة، ليُضيف حلقةً جديدة من أعنف الأعاصير، لكن وراء هذه الأرقام القاسية تقبع قصةٌ أكبر في سلسلةٍ مقلقةٍ تضرب الأطلسي بلا هوادة منذ عقد من الزمان.
وبحسب صحيفة "واشنطن بوست" فإن إعصار "إيرين" ليس حالةً منفردة، ففي السنوات العشر الأخيرة فقط، شهد الأطلسي 11 إعصارًا من الفئة الخامسة، وهو رقم مذهل إذا ما قورن بما قبلها، واحتاج العالم 27 عامًا كاملاً ليشهد العدد نفسه سابقًا.
وهذه الطفرة في الأعاصير الأقوى ليست مجرَّد خط إحصائي على ورق، بل هي مؤشرٌ ينذر بتغير عميقٍ في العلاقة بين المناخ والإنسان.
يقول الخبراء إن السبب المباشر لهذا التزايد المقلق هو المياه الأكثر دفئًا من أي وقت مضى، إذ أضحى المحيط الأطلسي اليوم أشبه بقدرٍ ضخمٍ يغلي، يمدّ أي منخفض جوي عابر بطاقةٍ هائلة تكفي لتحويله إلى إعصارٍ مدمر.
الخبراء يُحذرون من أن ما يحدث قد لا يكون "استثناءً" بل بداية وضع طبيعي جديد، وصرَّحت الباحثة كيم وود من جامعة أريزونا قائلةً "إننا أصبحنا أكثر قدرة على رصد الأعاصير في ذروتها، لكن الأرقام لا تكذب،و هناك بالفعل زيادة في العواصف الأشد قوة".
التاريخ يعيد نفسه بشكل أكثر قسوة؛ ففي عام 2005 عاش العالم صدمة إعصار "كاترينا" الذي دمّر نيو أورلينز. واليوم، بعد أقل من عقدين، أصبحت مثل هذه العواصف تتكرر بوتيرة تجعل من كلمة "استثنائي" مجرد وصف فارغ.
وترى الصحيفة أن القضية لم تعُد علميةً فقط، إذ بالنسبة إلى دول الكاريبي وأمريكا الوسطى فإن الأعاصير تعني خسائر اقتصادية بمليارات الدولارات كل عام، وهجرة قسرية لآلاف الأسر من قراها، وهذه التحولات تُترجم سياسيًا إلى ضغوطٍ على الحكومات، واتهامات متزايدة للدول الصناعية التي أسهمت أكثر من غيرها في تسريع تغيُّر المناخ.
من زاويةٍ أخرى، يبدو أن الأعاصير أصبحت جزءًا من لعبة الجغرافيا السياسية، يضع فيها ارتفاع كلفة التعويضات، وإعادة الإعمار، والمساعدات الإنسانية، الدول الفقيرة أمام سؤالٍ مرير: من سيدفع ثمن الكارثة القادمة؟
وتلفت الصحيفة إلى أن هذه الكارثة في النهاية لا تتعلق بالعلماء ولا بالسياسيين وحدهم، بل بالناس العاديين، ما يعني أن إعصار "إيرين" ليس مجرد حدثٍ جوي عابر، بل رسالةٌ صارخة بأن الاحترار العالمي لم يعُد مادةً في تقارير المناخ، بل حقيقة تعصف بالنوافذ وتقتلع الأسقف، ولم يعُد السؤال الأكبر "هل ستأتي أعاصير أخرى؟"، بل "من سينجو عندما تأتي؟".