بينما يتواصل الجدل حول استراتيجية الأمن القومي الأمريكية الجديدة، ترى آراء أنها تضمّت ما هو أبعد من العناوين الرئيسة حول الانفصال التدريجي بين الولايات المتحدة وأوروبا، مع دعوات لأن تشهد القارة "انتفاضة سيادية" ضد واشنطن.
ووفق خبراء، فإن الاستراتيجية الأمريكية الصادرة في الرابع من ديسمبر الجاري، خلت للمرة الأولى من أي حديث عن حقوق الإنسان والديمقراطية، ومكافحة الفساد في دول مثل روسيا والصين وإيران، وبدلاً من ذلك ركّزت على الصفقات الاقتصادية والمنافسة الاستراتيجية.
وكانت استراتيجية الأمن القومي الأمريكية الجديدة أثارت موجة من الغضب والقلق في الأوساط الأوروبية، حيث وصفها خبراء في الاتحاد بأنها تمثل "زلزالاً سياسياً" في العلاقات عبر الأطلسي.
وركّزت الاستراتيجية على مبدأ "أمريكا أولاً"، مقللة من أهمية الشرق الأوسط، كما وجهت اتهاماً لأوروبا بـ"فقدان الهوية" و"الاعتداء على الحريات" بسبب سياسات الهجرة والتنظيمات الداخلية، مما دفع الخبراء إلى الدعوة لـ"انتفاضة سيادية أوروبية" و"انفصال تدريجي" عن الولايات المتحدة.
وبحسب تقارير غربية، فإن ما كان لافتاً أكثر في وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأمريكية بنسختها الجديدة "اللغة الخشنة" التي كانت أكثر من عدائية تجاه أوروبا، حيث تم وصفها كمنطقة تواجه "محوًا حضاريًا وفقدان ثقة بالنفس".
ووفق المحلل السياسي والمتخصص بالشؤون الأوروبية جهاد نويّر، فإن الخطاب الذي اعتمدت عليه وثيقة الأمن الاستراتيجي الأمريكي الجديدة "يعامل أوروبا كعبء سياسي ومالي لا كشريك"، مشدداً على أن هذا يستوجب "إحياء الروح الريادية الأوروبية".
ويعتقد نويّر في تصريح لـ "إرم نيوز" أن الطريقة التي تناولت بها الاستراتيجية الأمريكية الحرب الروسية-الأوكرانية، "مثيرة للقلق"، حيث أكدت أن الولايات المتحدة تستطيع التحرك دون أوروبا وعكس إرادتها، مع التركيز على "إنهاء النزاع بسرعة" و"إعادة الاستقرار مع روسيا" من خلال تمديد معاهدات مثل نيو ستارت.
وهذا النهج الأمريكي "الجديد" الذي تضمنته الوثيقة، يعدّ بحسب نويّر "خيانة لمصالح أوروبا"، التي دفعت أكثر من 100 مليار يورو دعماً لكييف منذ 2022، ويعكس تجاهلاً للعقوبات والدعم العسكري الأوروبي، وفق قوله.
كما يذهب إلى أن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تعاملت لأول مرة وبوضوح مع أوروبا كتابع، وليس ككيان سياسي مستقل يتمتع بثقل وازن في خريطة السياسة العالمية.
أما المحلل السياسي برهان بني الشيخ، فيلفت إلى أن الاستراتيجية الأمريكية خلت للمرة الأولى من أي حديث عن مبادئ مثل حقوق الإنسان والديمقراطية، ومكافحة الفساد في دول كروسيا والصين، وإيران. ويضيف: "كانت هذه محاور أساسية في النسخ السابقة، وبدلاً من ذلك تُركز الوثيقة الجديدة على الصفقات الاقتصادية والمنافسة الاستراتيجية".
ووفق تصريح بني الشيخ لـ "إرم نيوز"، فإن ما تضمّنته الوثيقة الأمريكية من خطاب يمثّل "دعوة صريحة إلى أوروبا من أجل انفصال عملي عن أمريكا" معتبراً أن هذا يستوجب "التعامل بحزم مع واشنطن".
وباتت أوروبا بعد صدور الوثيقة الأمريكية، برسم سياستها تجاه دول مثل الصين بعيداً عن الحسابات الأمريكية، طالما أن واشنطن تقرر سياستها "دون إقامة أي حساب لها"، كما يضيف بني الشيخ.
كما يرى أن "الزلزال السياسي" الذي أحدثته وثيقة الأمن القومي الأمريكي سيسهم في "إعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية العالمية"، و"سيدفع أوروبا للعب دور أكبر في السلام العالمي".