شهدت الساحة السياسية الأوروبية تحولاً لافتاً منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025.
فللمرة الأولى في التاريخ الحديث، تدخلت إدارة أمريكية بشكل علني ومتكرر في الانتخابات الأوروبية، مؤيدة أحزاب اليمين المتطرف بصراحة غير معهودة.
في فبراير 2025، استغل نائب الرئيس جي دي فانس زيارته لمؤتمر ميونيخ الأمني للقاء زعيمة حزب البديل من أجل ألمانيا أليس فيدل وتأييد الحزب قبيل الانتخابات الفيدرالية الألمانية.
تلا ذلك تأييد الإدارة لجورج سيميون في الانتخابات الرئاسية الرومانية في مايو، بينما سافرت وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم إلى بولندا لتأييد كارول ناوروتسكي قبل أيام من جولة الإعادة الرئاسية.
التأثير الفعلي: نتائج متباينة
رغم الجهود الأمريكية المكثفة، تظهر الدراسات أن التأثير الفعلي على الانتخابات الأوروبية كان محدوداً ومتناقضاً، فوفقاً لدراسة أجراها المركز الأوروبي للسياسات، ترامب لم يؤثر على أنماط التصويت في أوروبا، حيث إن سلوك الناخبين الأوروبيين يتأثر بشكل رئيسي بعوامل داخلية.
أظهرت الدراسة أن دعم الأحزاب اليمينية المتطرفة بقي مستقراً حول 24-25% دون تغيرات ملحوظة بعد فوز ترامب.
أما معهد بروكينغز، فقال إن الانتخابات التي أُجريت في النصف الأول من 2025 تشير إلى أن فوز ترامب وطريقة حكمه أضرت بالحركة القومية اليمينية عالمياً أكثر مما ساعدتها. نتائج الانتخابات في كندا وأستراليا مثلت رفضاً لسياسات ترامب.
استطلاع رأي أخر أظهر أن 6-8% فقط من المواطنين الألمان والإسبان والفرنسيين ينظرون لترامب كحليف. في دول مثل الدنمارك والسويد وألمانيا وفرنسا، انخفضت مؤشرات سمعة الولايات المتحدة بنسبة 20-30 نقطة مئوية.
صدى أيديولوجي قوي
في تصريح ، لـ إرم نيوز، قال الخبير الأممي أوليفييه دو أوزون "إن تأثير دونالد ترامب الآن يتغلغل في الحركات السيادية الأوروبية، ليس عبر التدخل المباشر، بل من خلال صدى أيديولوجي قوي".
وأضاف: "من خلال إعادة تصدير أولوية الأمة، وعدم الثقة في النخب، والطعن في التعددية، يقدم ترامب نموذجاً يضفي الشرعية على القوى المناهضة لأوروبا ويعطيها دفعة".
وأكد أن أسلوب الرئيس الأمريكي السياسي - المباشر، الجريء، الهوياتي - يلهم استراتيجيات حشد تتبناها عدة أحزاب في القارة.
ومع ابتعاد واشنطن عن الأطر الدولية، يرى السياديون الأوروبيون في ذلك دليلاً على أن القطيعة أصبحت ممكنة. وهكذا يتشكل محور عبر الأطلسي غير رسمي حيث يصبح الترامبية محفزاً للتطلعات القومية في أوروبا".
تناقضات اليمين الأوروبي
رغم التحالف الظاهري، يواجه اليمين الأوروبي مشكلة أساسية: باستثناء الكراهية للإسلام والمعارضة للطاقة النظيفة، لا يوجد عمق أيديولوجي أو وحدة حقيقية بين هذه الأحزاب.
الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب أضرت بمصالح اليمين الأوروبي نفسه، مما أجبر قادة مثل نايجل فاراج على الابتعاد عن بعض مواقف الإدارة الأمريكية.
لذلك؛ يبدو أن تأثير ترامب على الانتخابات الأوروبية يتسم بالتناقض: فبينما ألهم بعض الحركات القومية وقدم نموذجاً للسياسة الشعبوية، إلا أن تدخلاته المباشرة أثارت رد فعل عكسياً في كثير من الحالات.
العوامل الداخلية - كالاقتصاد والهجرة وعدم الثقة بالنظام السياسي - تظل المحرك الأساسي لصعود اليمين في أوروبا، وليس التأثير الأمريكي المباشر.