رغم التفوّق الإسرائيلي الواضح الذي أدى إلى تدمير عشرات الأهداف العسكرية والنووية، من قيادات كبيرة ومبان حساسة، إلا أن منشأة واحدة لا تزال تستعصي على تل أبيب؛ منشأة فوردو للتخصيب، المدفونة في أعماق الأرض، والتي تُعدّ "مفتاحاً".
المنشأة التي توصف بأنها " القلعة الجبلية"، لم يلحق بها أي ضرر، وفق تقرير لصحيفة "التايمز" البريطانية، التي تضيف في وصفها "إنها مُختبئة في الجبال، ومبانيها الرئيسة مدفونة في أعماق الأرض، لذا تعد هدفاً أكثر صعوبة".
وبفضل دفاعاتها الجوية المحيطة بها، أصبحت رمزاً للتحدي الإيراني، إضافة إلى براعتها التكنولوجية، وإذا أرادت إسرائيل حقًا تفكيك القدرات النووية الإيرانية، فعليها تعطيل فوردو، وفق "التايمز".
تقع منشأة فوردو على بُعد 20 ميلًا من مدينة قم التاريخية بوسط البلاد، وحوالي 160 كيلومتراً جنوب طهران، وهي أحد موقعين لتخصيب الوقود النووي في البلاد. أما الموقع الآخر، في نطنز، فقد دُمّر جزئياً في الهجمات، بحسب تقارير متطابقة.
ويصف محللون هذه القلعة الجبلية، الواقعة داخل قاعدة تابعة للحرس الثوري، بأنها "النقطة المحورية في العملية النووية الإيرانية"، إذ يعتقد بريت ماكغورك، الذي عمل منسقاً لشؤون الشرق الأوسط لعدة رؤساء أمريكيين إن عدم القدرة على تدمير فوردو، يعني الفشل في منع إيران من إنتاج مواد صالحة للاستخدام في الأسلحة.
لكن المنشأ، ولليوم الرابع، لا تزال تستعصي على إسرائيل، التي يبدو، بحسب "التايمز"، تفتقر إلى الأسلحة اللازمة للقيام بهذه المهمة.
يُعتقد أن منشآت فوردو شديدة التحصين لا يمكن تدميرها إلا بما يُسمى "القنابل الخارقة للتحصينات"، وهي قنابل ضخمة مصممة خصيصاً لاختراق المباني تحت الأرض، ولا يُعتقد أن إسرائيل تمتلك مثل هذه الذخائر، ولا القاذفات الثقيلة اللازمة لإطلاقها.
فبينما أظهرت صور الأقمار الصناعية أضراراً جسيمة في المنشآت النووية في نطنز وموقع آخر في أصفهان، وهو ما أكدته أيضاً الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يعتقد الخبراء أن إسرائيل ربما استخدمت ذخائر خارقة للتحصينات في هذه الهجمات، لكنها تبدو غير فعالة على فوردو.
يعتقد خبراء أن فوردو لا يمكن تدميرها إلا بقنبلة أمريكية ضخمة خارقة للتحصينات، لكن هذا مستعبد في الوقت الحالي لعدم رغبة الولايات المتحدة في الدخول المباشر إلى الصراع، ما سيؤدي إلى نسف كامل للمفاوضات التي لا تزال خياراً لدى واشنطن.
لكن صحيفة "وول ستريت جورنال" تطرح سيناريو لمحاولة إسرائيل تدمير المنشأة، منها هدم المدخل، رغم الشكوك بمدى فعالية هذا الاحتمال.
وهذا يعني أن إسرائيل قد تلجأ إلى استخدام طائرات مسيّرة لمهاجمة الجرافات إذا حاول الإيرانيون حفر الخنادق بأنفسهم للخروج، وهنا يؤكد ريتشارد نيفيو، الذي عمل مفاوضاً مع إيران خلال إدارتي جو بايدن وباراك أوباما، أن على إسرائيل ألا تفكر في تدمير فوردو، من دون مساعدة أمريكية.
حتى لو استطاعت إسرائيل تعطيل فوردو لفترة طويلة، فإن لدى إيران طرقا سرية أخرى محتملة لصنع قنبلة نووية إذا كان مخزونها من المواد سليما. ولسنوات، منعت إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الوصول إلى لقطات كاميرات مواقع إنتاج أجهزة الطرد المركزي الخاصة بها.
أما "التايمز" فتلخّص المعضلة بعبارة موجزة: ستواصل إسرائيل البحث عن سبل لتدمير فوردو، بينما ستزيد إيران من تخصيب اليورانيوم.