رأى خبراء فرنسيون أن قمة "بريكس"، التي انعقدت في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، كشفت عن تصدعات داخلية متنامية داخل التكتل.
يأتي ذلك، رغم محاولات إظهار واجهة موحدة في الدفاع عن نظام دولي متعدد الأقطاب.
وجاء البيان الختامي، الذي أدان الحروب والعقوبات وأيّد الدبلوماسية متعددة الأطراف، بلغة أكثر حذرًا من المعتاد، وتجنّب تسمية أطراف النزاعات الكبرى، في انعكاس لما وصفه مراقبون بـ"الأزمة الصامتة" داخل التكتل الذي يضم 11 دولة.
ويرى الباحث الفرنسي جان-بابتيست غينيو، أن لهجة البيان الختامي تعبّر عن "محاولة لتفادي التصعيد مع واشنطن، لا سيما في ظل التهديدات التجارية الأخيرة من إدارة ترامب".
وأضاف غينيو لـ"إرم نيوز"، أن "بريكس تحاول الحفاظ على توازن دقيق بين طموحها في تشكيل نظام عالمي بديل، وبين مصالحها الاقتصادية المباشرة، خصوصًا في ظل مفاوضات ثنائية يجريها بعض أعضائها مع الولايات المتحدة".
من جهته، يرى ستيفان دومازيير، الخبير في شؤون التكتلات الجيوسياسية في معهد العلاقات الدولية بباريس، أن "غياب قادة كبار مثل فلاديمير بوتين وشي جين بينغ عن القمة "يعكس عمق الخلافات الداخلية وصعوبة بلورة استراتيجية جماعية متماسكة".
وأضاف دومازيير لـ"إرم نيوز"، أن "ما تملكه بريكس اليوم ليس أدوات ردع صلبة، بل شبكة رمزية من التفاهمات الاقتصادية التي تصطدم بتضارب الرؤى والمصالح بين أعضائها الجدد والقدامى".
واختتم قادة مجموعة "بريكس" أعمال قمتهم في ريو دي جانيرو يوم الأحد 7 يوليو/تموز ببيان ختامي وُصف بأنه أكثر اعتدالًا من بيانات السنوات السابقة.
ورغم دفاعهم عن التعددية الدولية وإدانتهم للعقوبات والحروب، فقد تجنب البيان تسمية أطراف الصراعات الجيوسياسية، ما اعتبره مراقبون تعبيرًا عن أزمة تماسك داخل التكتل.
وأبرز ما لفت الأنظار في البيان هو غياب أي إشارة مباشرة إلى الولايات المتحدة، خلافًا للنهج المعتاد.
ولخصت صحيفة "O Globo" البرازيلية محتوى البيان بقولها إنه "دافع بقوة عن التعددية وأدان الحروب واستخدام العقوبات والرسوم الجمركية كأدوات للضغط السياسي".
لكنها لفتت إلى أن "الخطاب كان أقل حدة من الدورات السابقة، دون أي إشارة مباشرة إلى الولايات المتحدة".
من جهتها، لاحظت صحيفة "El País" الإسبانية أن المجموعة "انتقدت الحرب التجارية دون ذكر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كما أدانت الهجمات الأخيرة على إيران — أحد الأعضاء الجدد في بريكس — دون تسمية منفذي الهجوم، وهما إسرائيل والولايات المتحدة".
وتطرق البيان أيضًا إلى الصراع في غزة، منتقدًا إسرائيل وداعيًا إلى إطلاق سراح جميع الأسرى، ومؤكدًا أن "استخدام الجوع كسلاح حرب يُعد انتهاكًا للقانون الدولي".
إلا أن المجموعة تجاهلت بشكل واضح الإشارة إلى الحرب في أوكرانيا، رغم كون روسيا أحد الأعضاء المؤسسين.
لكن لهجة البيان لم تكن "ناعمة" بما يكفي للرئيس الأمريكي.
ففي منشور له على منصة "تروث سوشيال"، رد ترامب قائلًا: "أي دولة تصطف مع السياسات المعادية لأمريكا التي يتبناها تحالف بريكس، ستُفرض عليها رسوم جمركية إضافية بنسبة 10% دون أي استثناءات".
وجاءت تصريحاته بعد تهديدات سابقة بفرض رسوم بنسبة 100% على واردات بلاده من دول بريكس.
ورأى موقع "South China Morning Post"، أن "الحذر الذي ميز لغة البيان يعكس محاولة متوازنة لإظهار موقف موحد دون استعداء واشنطن، خاصة في ظل مفاوضات ثنائية تجريها بعض الدول الأعضاء لعقد اتفاقات تجارية منفصلة مع الولايات المتحدة".
لكن خلف هذا الحذر، كشفت القمة عن "انقسامات متزايدة داخل الكتلة"، وفقًا لموقع "Semafor"، الذي أشار إلى أن نصف قادة المجموعة، بمن فيهم شي جين بينغ وفلاديمير بوتين، غابوا عن القمة.
وذكر الموقع أن "التوسع السريع للمجموعة من 5 إلى 11 عضوًا خلال عامين خلق خلافات جديدة وربما أضعف تأثيرها الدولي".
صحيفة "Folha de São Paulo" البرازيلية ذهبت أبعد من ذلك، إذ اعتبرت أن "الاجتماع يبرهن مجددًا على هشاشة مفهوم الجنوب العالمي".
وأضافت: "صحيح أن أي تحالف لا يخلو من النقاشات والخلافات، لكن فكرة أن المجموعة تمثل تكتلًا منسجمًا تفتقر إلى الواقعية" وفق تعبيرها.
أما صحيفة "The New York Times" الأمريكية، فاعتبرت أن "الخلافات بشأن الهجمات الأخيرة على إيران تسلط الضوء على التحديات الناجمة عن توسع التحالف السريع، الذي ضم أعضاء يملكون رؤى مختلفة تمامًا حول دور بريكس على الساحة الدولية".