مع اقتراب موعد خطاب بنيامين نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل، تواجه إسرائيل واقعًا متناقضًا يعكس هشاشة مكانتها الدولية: على جانب، التشهير والانتقادات اللاذعة، وعلى الجانب الآخر، التأييد والاحتضان من أهم حليف لها، الولايات المتحدة.
وصبّت تقارير الأمم المتحدة ولجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة، إضافة إلى بيانات الجمعيات الدولية لعلماء الإبادة الجماعية، الزيت على النار، إذ وصفت إسرائيل بأنها ترتكب "إبادة جماعية" في غزة، وسط عناوين رئيسية في وسائل الإعلام العالمية مثل "سي إن إن" و"الغارديان".
وعندما يقف نتنياهو على المنصة المهيبة في نيويورك لإلقاء خطابه الرابع عشر بصفته رئيس وزراء، سيجد نفسه وسط جدار من العداء المتعدد الأطراف، بحسب صحيفة "جيروزالم بوست".
وتتصاعد الاتهامات على خلفية تحركات بعض الدول الغربية من بينها، المملكة المتحدة، وفرنسا، وأستراليا، وكندا، نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ما يثير مخاوف الحكومة الإسرائيلية من تهديد وجودها.
ويضيف إلى ذلك حظر بعض الدول الغربية على الأسلحة، ونقاشات الاتحاد الأوروبي حول عقوبات تجارية، ما يزيد من شعور إسرائيل بالعزلة على المسرح الدولي.
وأشارت الصحيفة إلى أنه لا يمكن تجاهل تأثير هذا المناخ على الرأي العام العالمي، حيث تتصدر هذه التقارير المشهد الإعلامي، في حين أن غالبية القراءات لم تتعمق في محتوى التقارير أو سياقها القانوني.
وذكرت أن هذا التكرار الإعلامي يخلق صورة نمطية سلبية عن إسرائيل، تزيد الضغط على الحكومة لإظهار موقف قوي وحاسم.
وأفادت "جيروزالم بوست" أن نتنياهو لن يذهب مجرد ممثل لدولة، بل كقائد مباشر ليعلن موقف إسرائيل أمام الهيئة الدولية الأكثر نفوذًا في العالم؛ فالحضور الشخصي لا يقتصر على الرمزية، بل يشير إلى تصميم إسرائيل على عدم السماح للأعداء باحتكار السرد حول تاريخها وأفعالها.
ومع ذلك، ستواجه إسرائيل تحديات هائلة: تسلسل الاتهامات الأخلاقية والتاريخية التي تتدرج من الفصل العنصري إلى التطهير العرقي، وصولًا إلى الإبادة الجماعية.
كما استند المسؤولون الأمريكيون، مثل السيناتور بيرني ساندرز، إلى تقارير الأمم المتحدة لتبني موقف رسمي، ما يعكس مدى تأثير هذا الجو الإعلامي والسياسي على القرارات الخارجية تجاه إسرائيل.
وبحسب الصحيفة أنه رغم هذه الضغوط، يظل نتنياهو متمسكًا بحضور الجمعية العامة، لأن الأمم المتحدة، رغم تحيزها، هي المسرح العالمي الذي يتيح له الرد بقوة على المنتقدين، وإظهار موقف بلاده أمام العالم، بما في ذلك الجمهور الإسرائيلي الذي يتابع هذه اللحظة عن كثب قبل أشهر من الانتخابات.
بينما سيواجه نتنياهو الانتقادات والاتهامات في نيويورك، سيجد نفسه بعد أيام فقط في قلب واشنطن، حيث يُستقبل بحرارة من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مما يعكس التناقض البارز في موقف العالم تجاه إسرائيل.
تسلط هذه الثنائية الضوء على الواقع المزدوج الذي تواجهه إسرائيل: على المستوى متعدد الأطراف، الإدانة والمقاطعة؛ وعلى المستوى الثنائي، الدعم والغطاء الاستراتيجي؛ فالولايات المتحدة توفر لإسرائيل الدعم العسكري والدبلوماسي، وتستخدم حق النقض في مجلس الأمن لدرء أي محاولات لعزلها بالكامل، وهو ما يضمن بقاء إسرائيل قوية رغم العزلة الظاهرية في الأمم المتحدة.
ويُعد هذا التناقض إشارة إلى أن إسرائيل ليست وحيدة كما يوحي المشهد الإعلامي الدولي، وأن العزلة ليست مطلقة. فحتى في ظل التصعيد الدولي والاتهامات المستمرة، يبقى وجود حليف قوي قادر على توفير الغطاء والحماية أمراً حيوياً لاستقرار الدولة وأمنها القومي.
وتختم صحيفة "جيروزالم بوست" تقريرها بأن سفر نتنياهو إلى نيويورك وواشنطن في أيام متقاربة يحمل رسالة مزدوجة: مواجهة الاتهامات العلنية والمستمرة في المحافل الدولية، والتأكيد على قوة العلاقات الثنائية مع أهم حليف استراتيجي؛ مشيرة إلى أنه اختبار لقدرة إسرائيل على الموازنة بين التحديات الدولية والطمأنينة الاستراتيجية التي توفرها واشنطن، وهو اختبار سيحدد موقفها في السنوات المقبلة على الساحة الدولية.