بدأت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال ولايته الثانية، تنتهج أسلوبًا جديدًا في التعامل مع كمبوديا الدولة الواقعة في قلب المنافسة الأمريكية-الصينية في جنوب شرق آسيا، مستبدلًا لغة القيم الأمريكية بلغة المصالح الصلبة في قلب آسيا.
وبحسب "فورين بوليسي"، فإن العلاقات بين واشنطن و"فنوم بنه" كانت متوترة لعقود، وسط خلافات حول الديمقراطية وحقوق الإنسان، إضافة إلى القلق من تعزيز الروابط الكمبودية-الصينية، لكن اليوم، يبدو أن ترامب وجد طريقة للعب الهجوم في "فناء بكين الخلفي"، بما يخدم مصالح الولايات المتحدة الإستراتيجية ويحدّ من نفوذ الصين.
وخلال قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) الأخيرة في ماليزيا، وقّع ترامب اتفاقًا مع كمبوديا، إلى جانب ماليزيا وتايلاند، لتأمين المعادن الحيوية وتقليل الرسوم الجمركية تدريجيًّا على صادرات محددة من كمبوديا إلى الولايات المتحدة، كما أشرف على مراسم احتفالية بوقف إطلاق النار بين كمبوديا وجارتها تايلاند، رغم أنه وصفها بالخطأ بأنها "صفقة سلام".
وعلى الصعيد التجاري، خفضت إدارة ترامب الرسوم الجمركية الكمبودية من 49% إلى 19%، لتكون مساوية بذلك للفلبين، حليف الولايات المتحدة في المنطقة، كما عقدت القيادة الأمريكية في المحيطين الهندي والهادئ حوارًا دفاعيًّا ثنائيًّا مع القوات المسلحة الكمبودية، هو الأول منذ عام 2017.
ويعتقد محللون أن الجزء الأكبر من هذا التقارب يعود إلى التوافق بين أسلوب ترامب وسياسات كمبوديا الداخلية، وهذا التوافق سمح لواشنطن بالعمل في بيئة سياسية مألوفة لديها، حيث تُقدّر الإدارة السلطة القوية على حساب الديمقراطية والقوانين، وهو ما ينسجم مع سياسات ترامب الداخلية، بما في ذلك تقليص تمويل البرامج المدعومة من الحكومة الأمريكية والتي تدعم المجتمع المدني.
كما أن تأثير هذه السياسات كان ملموسًا؛ خصوصًا أن الكمبوديين بدؤوا يظهرون اهتمامًا متزايدًا بفتح أسواقهم أمام الشركات الأمريكية، وفق ما ذكره محامٍ أمريكي يتعامل مع الاستثمارات في البلاد، مؤكدًا أن "المزاج تغيّر تقريبًا بين عشية وضحاها"؛ نتيجة سياسات ترامب.
لكن يرى الخبراء أن هذه التحركات الأمريكية لا تعني أن نفوذ الصين تراجع بالكامل؛ فكمبوديا لا تزال تعتمد اقتصاديًّا بشكل كبير على بكين، من خلال عشرات المشاريع ضمن "مبادرة الحزام والطريق"، بما في ذلك مطار سيام ريب أنغكور الدولي، وطريق سريع بين "فنوم بنه" وسيهانوكفيل، والمنطقة الاقتصادية الخاصة في سيهانوكفيل، وقناة فيونان تيشو؛ ما يعكس التداخل العميق بين المصالح الصينية والكمبودية.
وحتى في مجال الدفاع، تشير الصور الفضائية والتقارير الميدانية إلى وجود قاعدة بحرية صينية في قاعدة ريم، رغم نفي الحكومة الكمبودية رسميًّا، في خطوة تؤكد استمرار وجود بكين العسكري في البلاد.
ومع ذلك، حقق ترامب إنجازات ملحوظة في كمبوديا خلال أشهر قليلة، حتى أن البوذيين خرجوا في مسيرات يحملون صوره، بينما طالب بعض المسؤولين بتسمية أحد الطرق باسم "طريق دونالد ترامب"، ليوازي شارع "شي جين بينغ" الحالي، في إشارة إلى التنافس الدبلوماسي بين واشنطن وبكين على النفوذ المحلي.
من زاوية أوسع، تمثل سياسات ترامب نموذجًا جديدًا للسياسة الخارجية الأمريكية؛ ما يتيح لواشنطن تحريك العلاقات مع دول جنوب شرق آسيا ودول الجنوب العالمي بشكل أكثر مرونة وفاعلية، مع التركيز على الموارد الحيوية وسلاسل الإمداد، في محاولة لاحتواء النفوذ الصيني في المنطقة، ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو تحقيق التوازن بين المصالح الإستراتيجية الأمريكية والحفاظ على النظام الدولي القائم، الذي قد يتعرّض للانحدار في ظل هذه السياسة القائمة على القوة الاقتصادية والضغط الإستراتيجي.