رأى خبراء فرنسيون، أن السباق نحو الإليزيه في عام 2027 يتجه ليكون الأكثر غموضًا وتقلبًا في تاريخ الجمهورية الخامسة.
يأتي ذلك، في ظل تهديد قانوني يُلاحق الزعيمة اليمينية مارين لوبان، وصعود شخصيات سياسية غير تقليدية من كل الاتجاهات.
وقال الباحث أرنو ميرسييه، إن "العدالة أصبحت فاعلًا انتخابيًا بامتياز"، بينما يعتبر المحلل السياسي ألكسيس لوفاسور، أن "التحول في معايير الثقة لدى الفرنسيين يعكس نهاية دورة سياسية وبداية أخرى لم تتضح معالمها بعد".
وقبل عامين من موعد الانتخابات الرئاسية، تكشف استطلاعات الرأي الفرنسية عن مشهد سياسي مأزوم وغير مستقر، تسوده مفاجآت غير متوقعة وشكوك قانونية قد تعيد رسم معالم اللعبة السياسية.
وبحسب أحدث استطلاع أجرته مؤسسة "إيفوب"، قبل صدور الحكم القضائي بتاريخ 31 مارس/آذار، تصدّرت مارين لوبان كافة السيناريوهات المقترحة بنسب نوايا تصويت بلغت 37% في الجولة الأولى، وهو رقم غير مسبوق لمرشحة من اليمين المتطرف، متفوقة بـ14 نقطة على نتيجتها في انتخابات 2022.
ويعلّق أرنو ميرسييه بأن "هذا التقدم يشير إلى أن عودة لوبان لخطابها الشعبوي بعد الحكم القضائي، قد تعيد خلط أوراق ترشحها، الذي ما زال رهينًا بالحكم الاستئنافي المنتظر".
وبحسب استطلاع آخر أجرته مؤسسة "كلوستر 17"، يرى 61% من الفرنسيين أن إدانة لوبان مبرّرة، ويعتقد 52% أنه من الطبيعي منعها من الترشح.
هذا الانقسام يعكس هشاشة المشهد، حيث يدعم ناخبو اليسار والوسط استبعادها، فيما يرى أنصار اليمين الكلاسيكي والمتشدد أن هذا استهداف غير مقبول، ما يفتح الباب أمام تصعيد خطاب "تسييس العدالة" في الحملات المقبلة.
في ظل هذا الغموض، تبرز شخصيات بديلة، وعلى رأسها إدوار فيليب، الذي يُعد المنافس الأبرز للوبان وفق أرقام "إيفوب"، إذ يحظى بما بين 20 و25% من نوايا التصويت، ويتصدّر مؤشر الثقة السياسي وفق معهد "إلاب" بنسبة 41%.
ويصف ألكسيس لوفاسور، فيليب بأنه "مرشح العقلانية والمركز، القادر على جذب يمين معتدل ويسار إصلاحي في آن واحد".
وفي السياق نفسه، يواصل غابرييل أتال، رئيس الوزراء السابق، تعزيز حضوره الانتخابي رغم عدم إعلانه الترشح رسميًا، إذ يحصد 20% من نوايا التصويت، و37% من تقييم إيجابي لشخصه حسب "إيلاب"، رغم أنّ تَحوّله إلى قوة انتخابية فعلية لا يزال محل اختبار، خاصة في حال مواجهته لإدوار فيليب.
أما اليمين الجمهوري، فيشهد محاولات إحياء عبر شخصية برونو ريتايو، وزير الداخلية الحالي، الذي يتجاوز عتبة 10% في نوايا التصويت، وهو ما قد يفتح باب الأمل لعودة يمين ما بعد "بيكريس".
ومع ذلك، يتقاسم معه مؤشرات الثقة الوزير الحالي للعدل جيرالد دارمانان بنسبة تقارب 35%.
في المقابل، لا تزال الخارطة اليسارية غير واضحة. ويحافظ السياسي اليساري جان-لوك ميلانشون، على 13%، بينما يقترب منه الاشتراكي رافاييل غلوكسمان بـ11%، ما يشير إلى رغبة في التجديد دون توافق حول شخصية جامعة.
أما اليمين المتطرف، فرغم التحديات القانونية التي تواجه لوبان، يبقى في وضع قوي.
ويسجّل السياسي اليميني جوردان بارديلا نسبة ثقة تبلغ 37%، وترتفع شعبية ماريون مارشال بـ5 نقاط منذ ديسمبر/كانون الأول، ما يشير إلى استقرار التيار المتطرف سواء بقيادة لوبان أو غيرها.
ويؤكد أرنو ميرسييه أن "الطريق إلى 2027 يمر عبر مثلث معقد من الشكوك: قانونية وسياسية واستراتيجية"، مشيرًا إلى أن "الناخب الفرنسي يبدو اليوم كمن ينتظر حدثًا كبيرًا لتحديد بوصلته".