تتسارع المنافسة بين الصين والولايات المتحدة في مجال الغواصات، مدفوعة بالطموحات الجيوسياسية والتقدم التكنولوجي، ما يشعل سباق تسلح بحري تحت الماء في المحيط الهادئ.
وتسعى الصين لتأسيس نفسها كقوة غواصات عالمية بأسطولها المتزايد والأكثر هدوءًا وفتكًا، بينما تحافظ الولايات المتحدة على تفوقها التكنولوجي، لكنها تعاني من تحديات إنتاجية تعيق جهودها لمواكبة بكين.
وبينما تقترب الصين من التفوق العددي والتكنولوجي، تعاني الولايات المتحدة من تحديات إنتاجية تهدد قدرتها على ردع بكين، مع تصاعد التوترات حول تايوان، يظل مستقبل هذا السباق حاسمًا للتوازن الاستراتيجي في المنطقة، وفق تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال".
وتحقّق الصين تقدمًا مذهلًا في تطوير أسطولها من الغواصات، ما يعزز مكانتها كمنافس قوي في المحيط الهادئ، إذ يعد أسطولها البحري، الأكبر عالميًا من حيث عدد السفن، يشمل غواصات نووية وتقليدية متطورة.
والغواصة "تايب 095" النووية، التي يُتوقع تجهيزها بصواريخ كروز وأنابيب إطلاق عمودية، تُعد نموذجًا بارزًا، كما طوّرت بكين غواصات "يوان" التقليدية بتقنية الدفع المستقل عن الهواء، ما يجعلها أكثر هدوءًا وقادرة على البقاء تحت الماء لفترات طويلة.
وفي عرض عسكري حديث ببكين، كشفت الصين عن طائرات مسيرة بحرية متقدمة، بما في ذلك نماذج تعمل كغواصات أو طوربيدات ذاتية التشغيل.
وتدعم هذه التطورات طموحات الصين لتوسيع نفوذها في أعماق المحيط الهادئ، حيث تجري تدريبات تحاكي حصارًا أو غزوًا لتايوان، الجزيرة التي تدعي بكين ملكيتها.
ويقول برنت سادلر، باحث في مؤسسة هيريتيج، إن الصين على وشك "قفزة تكنولوجية" تجعل غواصاتها أكثر صعوبة في التعقب، ومع ذلك، تعرّضت بكين لانتكاسة عندما غرق نموذج أولي لغواصة هجينة العام الماضي، ما قد يؤخر تقدمها في هذا المجال.
تحتفظ الولايات المتحدة بميزة تكنولوجية من خلال غواصاتها من فئة "فرجينيا"، المزودة بتحسينات صوتية تجعلها أكثر تخفيًا وسعة حمولة أكبر للأسلحة.
وتستثمر واشنطن في طائرات مسيرة بحرية وأجهزة استشعار مدعومة بالذكاء الاصطناعي، كما يقول القائد ريك مور، المتحدث باسم قوة الغواصات في أسطول المحيط الهادئ، لكن التحديات الإنتاجية تعيق هذه الجهود.
وفي السنة المالية 2023، كانت 16 غواصة هجومية أمريكية خارج الخدمة بسبب الصيانة، ما قلل جاهزية الأسطول إلى 67% فقط، وفقًا لتقرير دائرة أبحاث الكونغرس، وبينما جعلت إدارة الرئيس دونالد ترامب بناء السفن أولوية، إلا أن التأخيرات لا تزال مستمرة.
ومن المتوقع تسليم أول غواصة من فئة "كولومبيا" المزودة بالصواريخ الباليستية في 2029، متأخرة عامين عن الموعد المحدد، كما أن خطط بناء فئة جديدة من الغواصات الهجومية (SSN(X)) لن تبدأ قبل أوائل الأربعينيات.
ويؤكد مكتب الميزانية بالكونغرس أن واشنطن تبني 1.2 غواصة هجومية سنويًا، بينما تحتاج إلى 2.33 لتعزيز أسطولها وتلبية التزاماتها بموجب اتفاقية "أوكوس" لعام 2021، التي تهدف إلى تزويد أستراليا بغواصات نووية.
وتزيد التوترات حول تايوان وبحر الصين الجنوبي من أهمية الغواصات في الاستراتيجيات العسكرية، فإذا غزت الصين تايوان، قد تستخدم غواصاتها التقليدية للدفاع الساحلي، بينما تحاول غواصاتها النووية منع تدخل القوات الأمريكية.
في المقابل، قد تستخدم الولايات المتحدة غواصاتها لتدمير السفن الصينية، حصرها في مضيق تايوان، أو شن هجمات صاروخية على أهداف برية.
وتقول جينيفر كافانا، من مركز أولويات الدفاع، إن الغواصات "وسيلة خفيفة لإبراز قوة هائلة" دون تعريض السفن السطحية للصواريخ الصينية.
في المقابل، فإن حلفاء الولايات المتحدة، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وأستراليا، يعززون أساطيلهم من الغواصات، فقد طلبت سنغافورة غواصتين ألمانيتين، بينما تخطط الفلبين لشراء غواصات ضمن تعزيز عسكري.
ويؤكد بيتر جينينغز، نائب وزير الدفاع الأسترالي السابق، أن الغواصات "مفيدة للغاية" للدول الطامحة لقوة بحرية في المنطقة.