بينما يستعد حزب "الإصلاح" في المملكة المتحدة لتعزيز حضوره كقوة سياسية صاعدة قد تغيّر المشهد العام، تتجه الأنظار نحو تغلغل شخصيات مسيحية محافظة ذات تأثير متزايد داخل الحزب.
هذه الظاهرة تعيد طرح سؤال جوهري، هل تتجه بريطانيا إلى نموذج شبيه بالولايات المتحدة حيث أصبحت الإنجيلية ركيزة اليمين ومصدر قوة انتخابية لدونالد ترامب؟ أم أن السياق البريطاني يفرض مسارًا مختلفًا؟.
ورغم بروز رموز جديدة داخل اليمين البريطاني تستلهم أفكارًا قومية ودينية، يشدد مراقبون على وجود فوارق جوهرية تجعل المقارنة مع التجربة الأمريكية قاصرة ومبالغًا فيها، بحسب صحيفة "الغارديان".
صعود شخصيات متدينة في صفوف التيار المحافظ الجديد
يبرز في الصفوف الأمامية لمؤتمرات حزب الإصلاح، اسمان أصبحا رمزَين لتزاوج الدين بالسياسة داخل اليمين البريطاني؛ داني كروجر، رئيس قسم السياسات في الحزب والمنشق مؤخرًا عن المحافظين، وجيمس أور، الأكاديمي بجامعة كامبريدج والمستشار المقرب من نايجل فاراج.
كلاهما اعتنقا المسيحية في مرحلة البلوغ، وكلاهما يحمل مواقف اجتماعية متشددة بشأن قضايا مثل الإجهاض والأسرة التقليدية.
كما يشغلان عضوية المجلس الاستشاري لمؤسسة "تحالف المواطنة المسؤولة"، وهو مركز أبحاث يميني مرتبط بشخصيات محافظة متدينة، من بينها فيليبا سترود وبول مارشال، الملياردير ومالك قناة "GB News".
هذا التكتل الفكري والسياسي يضع الدين في قلب مشروع يميني جديد يتجاوز حسابات البرلمان إلى إعادة تشكيل قيم المجتمع البريطاني نفسه؛ ومع ذلك، لا تزال هذه النزعة محكومة بسياق محلي مختلف عن الحالة الأمريكية.
بريطانيا ليست أمريكا
تُظهر استطلاعات الرأي أن نسبة الإنجيليين في الولايات المتحدة تقارب ربع السكان البالغين، وهي كتلة انتخابية لعبت دورًا محوريًا في وصول ترامب للبيت الأبيض. بينما في بريطانيا، لا تتجاوز نسبتهم حوالي 10% فقط.
الأهم من ذلك أن التوجهات التصويتية للإنجيليين البريطانيين أكثر تعددًا وأقل انحيازًا للحزب اليميني. ووفق استطلاع حديث لـ"التحالف الإنجيلي في المملكة المتحدة"، فإن حزب العمال يتصدر الدعم بنسبة 26% والإصلاح والديمقراطيون الليبراليون 20% لكل منهما والمحافظون 18% والخضر 12%.
ويفسّر محللون ذلك بأن الإنجيليين البريطانيين غالبًا ما يصوتون انطلاقًا من قضايا العدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر، وليس من بوابة القضايا الأخلاقية فقط. كما يدركون أنهم يمثلون أقلية في تلك القضايا، ما يقلص تأثيرهم المباشر في صناديق الاقتراع.
وبينما يعبر بعض النواب المحافظين عن توجهات يمينية دينية أكثر حدة، فإن آخرين من خلفيات دينية مشابهة، مثل النائبة العمالية راشيل ماسكيل، يدفعون نحو أجندة اجتماعية تركز على المساواة والعدالة، ما يبرز تنوع الطرح الديني داخل السياسة البريطانية.
"قومية مسيحية" أم حنين لهوية قديمة؟
إلى جانب التيار المحافظ التقليدي والمتدين، ظهر تيار يميني أكثر تشددًا يوظف الهوية المسيحية في مواجهة الإسلام والمهاجرين، على غرار ما يفعله بعض الحركات الشعبوية الأمريكية.
أصبحت شخصيات مثل تومي روبنسون ونيك تينكوني ترفع شعارات مثل "العودة إلى المسيح"، مقرونة بخطاب كراهية ضد الأقليات.
وظهرت مجموعات متطرفة مثل "جيش الملك" التي قامت بمسيرات في مناطق رمزية مثل سوهو، مركز مجتمع المثليين في لندن.
لكن خبراء يشددون على أن تأثير هذا التيار لا يزال محدودًا. ويصف مقربون من بول مارشال صوره كـ"مبشر أمريكي" بأنها دعاية مبالغ فيها، مؤكدين أنه "يعترض بشدة على تسييس الدين".
كذلك، يرى داني كروجر أن هويته الدينية لا تنطلق من قومية مسيحية بقدر ما هي دفاع عن قيم يرى أنها "تتعرض للتآكل".
بناءً على ذلك، يبدو أن التحول الديني داخل اليمين البريطاني ما زال مرحلة تجريبية غير قادرة على الهيمنة على المشهد السياسي؛ ويبقى الدين في المملكة المتحدة عاملًا ثقافيًا وأخلاقيًا لا ورقة تعبئة انتخابية حاسمة.
وبالرغم من زيادة حضور شخصيات دينية محافظة في واجهة السياسة البريطانية، لا المؤشرات الاجتماعية ولا القواعد الانتخابية توحي بأن المملكة المتحدة تتجه نحو "إنجيلية سياسية" على غرار النموذج الأمريكي؛ فالدين هنا لا يزال جزءًا من الخطاب أكثر منه محددًا للتصويت.
كما تلخصه كلمات أحد النواب: "بالنسبة لنا، الإيمان هو ما يشكل قناعاتنا، لا ما يكسب الأصوات".
وهكذا، يبقى سؤال النفوذ الديني في السياسة البريطانية مطروحًا، لكن الإجابة حتى الآن تشير إلى نفوذ ينمو ببطء، وبحدود تفرضها خصوصية المجتمع البريطاني وتاريخه العلماني الطويل.