أعلنت المكسيك رفع الرسوم الجمركية على واردات الدول التي لا تربطها بها اتفاقية تجارية، بما في ذلك الصين، في تحول استراتيجي محسوب لحماية صناعتها المحلية وتخفيف ضغوط واشنطن وإعادة تموضعها داخل صراع اقتصادي عالمي يتصاعد بين واشنطن وبكين.
وبحسب "منتدى شرق آسيا"، فإن القرار، الذي أقرّه البرلمان المكسيكي في وقت سابق في ديسمبر 2025، يكشف محاولة واعية لتثبيت دور المكسيك كلاعب محوري في مثلث اقتصادي تحكمه المنافسة والاعتماد المتبادل في آن واحد.
من الناحية الشكلية، تستهدف الرسوم الجديدة الدول التي لا ترتبط باتفاقيات تجارة حرة مع المكسيك، لكن جوهر القرار يتضح في هوية المتضرر الأكبر: الصين؛ فالرسوم المرتفعة على السيارات وقطع الغيار الصينية، إلى جانب تشديد الرقابة على الواردات غير القانونية، تضرب قطاعا حيويا يشكّل أحد أعمدة الصادرات الصينية إلى السوق المكسيكية.
ويرى الخبراء أن هذا التصعيد لا يعني قطيعة مع بكين؛ فالصين أصبحت المورد الرئيس للمكوّنات الصناعية التي تعتمد عليها المصانع المكسيكية، خصوصا في قطاعات السيارات والإلكترونيات الموجّهة للتصدير إلى الولايات المتحدة، وتتجلّى المفارقة في أن المكسيك تفرض قيودا تجارية على الصين، بينما تظل سلاسل إنتاجها مرتبطة بها بشكل وثيق.
وفي المقابل، تحمل الخطوة رسالة واضحة إلى واشنطن؛ إذ إن رفع الرسوم الجمركية يتقاطع مع الضغوط الأمريكية المتزايدة لدفع المكسيك إلى الانخراط في جدار تجاري غير معلن في مواجهة الصين، وإلى منع استخدام أراضيها كمسار التفاف على الرسوم الأمريكية، وبذلك، تعزّز المكسيك موقعها التفاوضي قبل مراجعة اتفاقية "الولايات المتحدة والمكسيك وكندا" في يوليو 2026، مستخدمة السياسة التجارية كأداة سياسية بامتياز.
ويعتقد محللون أن أهمية القرار المكسيكي تكمن في أنه يكرّس واقعا اقتصاديا جديدا تشكّل خلال السنوات الماضية في مثلث أمريكي-مكسيكي-صيني، لا يقوم على التحالف بل على التوازن القلق؛ فالولايات المتحدة ما تزال السوق النهائية الكبرى للصادرات المكسيكية، والصين الشريك الصناعي الأوسع من حيث التوريد والاستثمار، فيما تتحول المكسيك إلى نقطة الالتقاء التي تتقاطع عندها مصالح القوتين.
وبهذا المعنى، لا تناور المكسيك للانفصال عن القوتين، بل لإعادة صياغة مكانتها من موقع القوة النسبية؛ فهي لا تختار بين واشنطن وبكين، بل تفرض نفسها كمساحة لا يمكن لأيٍّ منهما تجاوزها؛ ما يعني أن الرسوم على الصين ليست نهاية علاقة، بل أداة لإدارتها ضمن صراع أوسع يُعيد تشكيل خريطة الاقتصاد العالمي.