بعد مرور خمسة وثلاثين عامًا على نهاية الدكتاتورية في تشيلي، تقترب البلاد من لحظة سياسية مفصلية مع تصاعد قوة اليمين المتطرف في الانتخابات الرئاسية.
تشير نتائج الجولة الأولى من الانتخابات التي جرت الأحد 16 نوفمبر الجاري، إلى أن اليمين التقليدي والمتطرف جمع ما يقرب من 70% من الأصوات، في وقت تصدرت فيه المرشحة اليسارية جانيت جارا النتائج بنسبة 26,9% فقط، ما يوضح التحولات العميقة في المشهد السياسي بعد عقود من الديمقراطية المتعثرة.
جوزيه أنطونيو كاست، المرشح اليميني المتطرف، عبّر عن فرحته خلف منصة محمية بزجاج مضاد للرصاص، مؤكدًا أن هذه هي محاولته الثالثة بعد ترشحه في 2017 و2021، وأن كل المؤشرات تشير إلى فوزه المحتمل بالرئاسة.
هذا المحامي البالغ من العمر 59 عامًا، والأب لتسعة أبناء، شغل عدة مرات منصب نائب في البرلمان، وهو محب للجنرال أوغستو بينوشيه، ويرى أن فوزه سيمثل نقطة تحول بعد أربعة أعوام من انتصار الرئيس الشاب التقدمي غابرييل بوريتش.
رغم تصدر جانيت جارا، البالغة من العمر 51 عامًا، الجولة الأولى، فإن فارق الثلاث نقاط فقط بينها وبين كاست يجعل مهمتها في الجولة الثانية المقررة في 14 ديسمبر/ كانون الأول المقبل صعبة للغاية، حيث تحتاج إلى معجزة لجمع الأصوات الكافية لتجاوز منافسها اليميني.
وجاء الاقتصادي فرانكو باريزي في المركز الثالث بنسبة 19,7% من الأصوات، مفاجئًا المراقبين الذين توقعوا أن تحل إيفلين ماثي من التحالف اليميني التقليدي أو يوهانس كايسر من الحزب الوطني الليبرتاري في هذا المركز.
وقد حل كايسر رابعًا بنسبة 13,9%، تاركًا ماثي في المركز الخامس بنسبة 12,5%.
عند إعلان النتائج، أكد كاسيت أن الفوز الحقيقي سيكون بمحاربة الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات، وإغلاق الحدود أمام الهجرة غير الشرعية، وتوفير وظائف كريمة لجميع التشيليين، وإعادة البلاد إلى مسار النمو.
ويلعب فرانكو باريزي الآن دور صانع الملوك في المشهد الانتخابي. وهو السياسي الشعبوي ذو الخطاب المعارض للنظام، الذي سبق له أن أدهش الجميع في انتخابات 2021 وحصل على المركز الثالث بنسبة 12,8٪ من الأصوات، حيث قاد حملته من الولايات المتحدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
هذه المرة تمكن من الحصول على خمس الأصوات تقريبًا، محققًا المراتب الأولى في جميع المناطق الشمالية للبلاد، ما يعكس سخط جزء كبير من الناخبين تجاه السياسات التقليدية.

المستقبل الرئاسي سيواجه تحديًا آخر في ظل برلمان يميني. وفق النتائج الأولية للانتخابات التشريعية، من المتوقع أن يرتفع عدد نواب التحالف اليميني المتطرف من 15 إلى 42 نائبًا، ليصل إجمالي نواب اليمين التقليدي والمتطرف إلى 76 نائبًا من أصل 155 في مجلس النواب، بينما ستكتفي جميع أحزاب اليسار بـ 64 مقعدًا فقط.
وفي هذا السياق، سيكون باريزي لاعبًا مؤثرًا من خلال حزبه الذي سيحصل على 14 مقعدًا.
تعكس هذه النتائج تحولات عميقة في المشهد السياسي في تشيلي، حيث تبدو قوى اليمين المتطرف على أعتاب السلطة بعد عقود من الديمقراطية المترددة، ما يطرح تساؤلات عن مستقبل السياسات الداخلية والخارجية للبلاد، ويعيد إلى الأذهان آثار الحقبة الديكتاتورية التي أنهتها البلاد قبل 35 عامًا.