الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض طائرتين مسيّرتيْن تم إطلاقهما من اليمن
تتصاعد التوترات في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه، وهذه المرة، لم يكُن المشهد مجرَّد مواجهةٍ بين مانيلا وبكين، بل كان حضورًا أستراليًا لافتًا في الميدان، بينما بدت الولايات المتحدة، الحليف التقليدي للفلبين، وكأنها تُراقب من خلف الكواليس.
وبحسب تقريرٍ لـ"أسوشيتد برس" فإن الجنود الفلبينيين وجدوا أنفسهم أمام استعراضٍ صيني غير مسبوق قرب شعاب "سيكند توماس"، تُشارك فيه عشرات الزوارق السريعة، بعضها مزود برشاشات ثقيلة، مدعومة بمروحية وطائرة مسيرة، تقدمت نحو المنطقة، لكن على مقربة منهم، يقف الصدأ شاهدًا على سفينة فلبينية قديمة، الـBRP Sierra Madre، التي تحولت منذ 1999 إلى موقعٍ عسكري رمزي لمانيلا في قلب المياه المتنازع عليها.
المشهد كان أشبه بحصار متجدد؛ إذ إن قوارب صينية تقترب حتى مسافة خمسين مترًا فقط، وجنود فلبينيون يندفعون من سفينتهم في محاولة لصد الاقتراب، فيما يترقب الجميع أيَّ شرارةٍ قد تشعل صدامًا مفتوحًا.
من جانبه لم يُخفِ وزير الدفاع الفلبيني جيلبيرتو تيودورو غضبه، في مؤتمرٍ صحفي مشترك مع نظيره الأسترالي الزائر ريتشارد مارليس، واصفًا التحركات الصينية بأنها “انتهاكات فاضحة للقانون الدولي”، وقال مارليس: "نعمل بشكلٍ وثيق مع الفلبين لتعزيز النظام القائم على القواعد في بحر الصين الجنوبي، وهذا أمر بالغ الأهمية بالنسبة لنا، وندرك أن هذا العمل سيتضمن تفاعلًا بين قوات الدفاع".
وفي السياق ذاته أضاف قائد الجيش الفلبيني الجنرال روميرو براونر بلهجةٍ حازمة: “هم يُحاولون الاقتراب، لكننا ندفعهم للخارج باستمرار، الوضع متوتر، لكن جنودنا يعرفون مهمتهم”.
وبحسب التقرير، فإن الموقف في بكين لم يمرّ بصمت؛ إذ أصدر خفر السواحل الصيني بيانًا يتَّهم الفلبين بـ"الاستفزاز" و"الفبركة"، وبثَّت السلطات الصينية مقطع فيديو حاولت فيه تصوير المشهد كتحركٍ خطير من جانب قوارب فلبينية صغيرة اقتربت من سفنها بطريقة “غير مهنية وخطيرة”.
لكن البيان لم يتطرق إلى الانتشار الأوسع لقوات الصين البحرية في المنطقة، ولا إلى حادث الاصطدام الأخير في "سكاربورو شول"، حين ارتطمت سفينتان صينيتان ببعضهما أثناء محاولة صد سفينة فلبينية.
وبحسب التقرير، فإنه ووسط هذه الأحداث، كان لافتًا أن الأضواء لم تتجه إلى واشنطن فحسب، بل إلى كانبيرا؛ لأن وزير الدفاع الأسترالي ريتشارد مارلز جاء بنفسه إلى مانيلا، ليجلس إلى جانب نظيره الفلبيني، مؤكدًا التزام بلاده بالدفاع عن “النظام القائم على القواعد” في المنطقة.
لم يكتفِ مارلز بالتصريحات؛ بل تزامن وجوده مع انطلاق تدريباتٍ عسكرية هي الأكبر من نوعها بين جيشي البلدين، شارك فيه أكثر من 3600 جندي يشاركون في مناورات "ألون" التي تعني "موجة" بلغة التاغالوغ، ونفذوا سيناريوهاتٍ قتاليةً، وإنزالاتٍ برمائية، وطائرات مقاتلة، ومدمرات مزودة بصواريخ موجهة، وكلها في المياه المقابلة مباشرةً لبحر الصين الجنوبي.
واشنطن.. حضور في الكواليس
وعلى صعيدٍ متصل، رغم أن الولايات المتحدة هي الطرف الأكثر ارتباطًا بمعاهدات الدفاع مع الفلبين، اكتفت هذه المرة بدور الظل، كما أن وجودها كان محسوسًا عبر الدعم السياسي والعسكري العام، وعبر التنسيق في الخلفية مع حلفائها، لكن الواجهة تُرِكت للأستراليين.
هذا التحول يعكس معادلةً جديدة، مفادها أن واشنطن تفضل توزيع الأدوار على شركائها، لتفادي الظهور كمن يقود كل مواجهة مباشرة مع الصين، لكن بالنسبة لأستراليا، التي لطالما اعتُبرت الذراع الإقليمية الأقرب لأمريكا، فإن النزول إلى الميدان يمنحها دورًا مركزيًا لم تلعبه بهذا الوضوح من قبل.
ورغم ثقل التصريحات والعروض العسكرية، يبقى المشهد الإنساني حاضرًا، البحارة الفلبينيون الذين يعيشون فوق سفينةٍ صدئة منذ أكثر من عقدَين، يُواجهون يوميًا التوتر ذاته، بما في ذلك سفنٌ تقترب، وطائراتٌ تحلق، وعيون العالم تتجه نحوهم، لتتعلَّق حياتهم اليومية بين أمواج البحر وصدى الصراع الجيوسياسي.
وترى "أسوشيتد برس" أن توسع أستراليا في دعم الفلبين، إلى جانب المناورات العسكرية المشتركة مع الولايات المتحدة ودول أخرى، يُثير قلق الصين من تطويقها بسلسلةٍ من الشراكات الدفاعية؛ إذ إن بكين ترى في ذلك تهديدًا مباشرًا لطموحاتها في بحر تُصر على اعتباره “ملكًا تاريخيًا”.
لكن في المقابل، يرى الفلبينيون أن دعم الأصدقاء لم يعُد ترفًا، بل ضرورة وجودية، وفي ظل هذه المعادلة، يبدو أن مواجهة الصين لن تبدأ من واشنطن البعيدة، بل من شواطئ الفلبين نفسها، حيث تختلط حياة الصيادين البسطاء بقراراتٍ كبرى تصنع مستقبل المنطقة.