قالت مجلة "فورين أفيرز الأمريكية إن روسيا وضعت منذ غزوها لأوكرانيا في فبراير/ شباط 2022، نحو 30% من رؤوسها النووية التي تقدر بنحو 5580 رأسًا في وضع محفوف بالمخاطر.
وفي كل أسبوع، تطلق روسيا ما يصل إلى 800 قنبلة جوية موجهة، وأكثر من 500 طائرة من دون طيار هجومية على المدن ومحطات الطاقة الأوكرانية.
وردًّا على ذلك، بدأت أوكرانيا في إطلاق مئات الطائرات من دون طيار يوميًّا على أهداف روسية مختارة بعناية.
ووفق المجلة، فإن لأوكرانيا "كل الحق في الدفاع عن نفسها بهذه الطريقة، ولا يوجد ما يشير إلى أن القوات الأوكرانية ستستهدف عمدًا مواقع تخزين الرؤوس الحربية النووية".
وأضافت: "ولكن لأن الهجمات الأوكرانية بالطائرات من دون طيار وصلت فعلًا إلى موسكو، فمن الواضح أن ما لا يقل عن 14 موقعًا روسيًّا لتخزين الرؤوس النووية تقع الآن في نطاق طائراتها من دون طيار، ويقع اثنان على الأقل من هذه المواقع على بعد أقل من 100 ميل من الحدود الأوكرانية، وهو ما يقع ضمن مدى الصواريخ الأكثر ضررًا التي تمتلكها أوكرانيا فعلًا، وتقع خمسة مواقع أخرى على بعد أقل من 200 ميل من الحدود، بالقرب من أو أبعد قليلًا من مدى الصواريخ المتقدمة التي قدمها الغرب لأوكرانيا".
وتابعت: "تقع مسؤولية نقل الرؤوس الحربية النووية بعيدًا عن طريق الخطر على عاتق الحكومة الروسية، تعلم روسيا جيدًا أن رؤوسها الحربية لا ينبغي أن توضع في أي مكان بالقرب من العمليات العسكرية التقليدية، فبعد أن شنت أوكرانيا أولى هجماتها بالطائرات من دون طيار والصواريخ على بيلغورود في ربيع عام 2023، سارعت روسيا إلى الإعلان عن أن موقع تخزينها في بيلغورود لم يعد يخزن رؤوسًا حربية نووية، معترفة بأن الرؤوس الحربية لا ينبغي تخزينها في أي مكان بالقرب من القتال النشط".
وأردفت: "ولكن من اللافت للنظر أنه لم تكن هناك أي إعلانات روسية حول حالة الرؤوس الحربية التي تمتلكها في أي من مواقع التخزين الأخرى".
"وهناك عدة أسباب محتملة لتقصير روسيا الواضح في أداء واجبها هنا، فقد يعتقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن نقل الرؤوس الحربية النووية الروسية سيكون علامة على الضعف، أو قد لا يدرك كبار القادة الروس المخاطر التي تتعرض لها هذه الرؤوس الحربية، أو قد يخشى الجيش الروسي أن يفسر الغرب نقل الرؤوس الحربية على أنه استعداد لهجوم نووي، ما يدفع الناتو إلى توجيه ضربة استباقية".
وأوضحت المجلة أن "الدولة التي من المرجح أن يكون لها التأثير الأكبر في تعامل روسيا مع ترسانتها النووية هي الصين، ففي سبتمبر/ أيلول، أصبحت بكين منسقة عملية الدول الخمس الدائمة العضوية في معاهدة منع الانتشار النووي، وهو منتدى للدول الخمس الأصلية الحائزة على الأسلحة النووية ــ الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة ــ مصمم بحيث تتمكن هذه الدول من مناقشة مسؤولياتها بشكل مشترك".
وعلى هذا النحو، تستطيع القيادة الصينية ــ بل ويتعين عليها ــ أن تقود جهدًا جماعيًّا لإقناع روسيا بتأمين رؤوسها الحربية المعرضة للخطر، بالاستعانة بعلاقاتها الثنائية المتوسعة مع موسكو، بحسب التقرير.
وأضاف: "إذا لم تدفع الصين في اتجاه تحقيق هذا الهدف، فإن خطر تورط المواقع النووية الروسية في حربها على أوكرانيا سوف يستمر في النمو، مع عواقب كارثية محتملة لكل من روسيا وبقية العالم، وتشكل احتمالية أن تضرب طائرة من دون طيار أو صاروخ أوكراني رأسًا حربيًّا وتسبب انفجارًا ينشر المواد الانشطارية خطرًا كبيرًا فعلًا، ولكنها ليست الخطر الوحيد".
وقال إن "الأمر الأكثر خطورة هو إمكانية أن تؤدي ضربة صاروخية أو استيلاء أوكراني على الأراضي إلى فوضى تشغيلية في موقع تخزين، ما يسمح للجهات المارقة بالاستيلاء على الرؤوس الحربية النووية، أو دفع روسيا عن غير قصد إلى التصعيد النووي".
وحذر من أن نقل الرؤوس الحربية النووية في أثناء حرب تقليدية سلوك خطر للغاية، ومن شأنه أن يثبت أن روسيا لم تعد قوة نووية واعية، وربما تعرضت الرؤوس الحربية لضربة عرضية بوساطة طائرات من دون طيار أو صواريخ، أو تعرضت للهجوم أو السرقة عمدًا.
وأشار إلى أن موقع التخزين الرئيس في فورونيج، على الرغم من أنه أبعد شرقًا، لا يزال على بعد أقل من 190 ميلًا من الحدود الأوكرانية.
وبحسب "فورين أفيرز" فإن روسيا انتهكت أيضًا مبدأ مقدسًا للأمن النووي بشن هجمات ضد أوكرانيا من قواعد عسكرية تخزن الرؤوس الحربية النووية، ما يجعل هذه القواعد هدفًا مشروعًا للهجمات المضادة.
وأضافت أنه منذ مارس 2022، على سبيل المثال، تستخدم روسيا قاعدة إنجلز 2 الجوية على بعد 500 ميل جنوب شرق موسكو لشن هجمات صاروخية على أوكرانيا.
وتابعت: "صواريخ كينجال ذات قدرة مزدوجة، ما يعني أنها يمكن أن تحمل رؤوسًا حربية نووية، وربما يكون هناك عشرات الرؤوس الحربية النووية مخزنة على بعد أقل من أربعة أميال من المطارات الرئيسة لقاعدة إنجلز 2، يُزعم أن أوكرانيا هاجمت هذه القاعدة الجوية مرارًا وتكرارًا بطائرات من دون طيار، بما في ذلك في منتصف سبتمبر/ أيلول".
"ويُعتقد أن روسيا تخزن عشرات الرؤوس الحربية النووية للطائرات قصيرة المدى في قاعدة ييسك الجوية، وهي منشأة تقع مباشرة عبر بحر آزوف من ماريوبول".
وبينت أنه قد يتم تخزين العشرات من هذه الطائرات في موروزوفسك، وهي قاعدة جوية أخرى تبعد أقل من مئة ميل عن لوغانسك، حيث تقاتل القوات الروسية القوات الأوكرانية في محاولة لاستعادة الأراضي المفقودة.
ورأت المجلة أنه كلما طال أمد الحرب، زادت احتمالات وقوع واحد أو أكثر من هذه المواقع في مرمى النيران المتبادلة، وهي النتيجة التي قد تخلف عواقب مدمرة.
وبينت أن "الضربة على موقع تخزين لن تتسبب في حد ذاتها في انفجار الرؤوس الحربية في انفجار نووي، ولكن إذا لم يكن الرأس الحربي في مخبأه لأنه يُنقل للصيانة داخل موقع التخزين أو عند نقطة نقل السكك الحديدية، وضربته طائرة من دون طيار مسلحة أو صاروخ، فقد يتسبب ذلك في انفجار كبير من شأنه أن يطلق مواد انشطارية، ويجعل دائرة نصف قطرها عدة أميال غير صالحة للسكن لسنوات".
واستطردت: "قد لا يتمكن المراقبون الدوليون حتى من الحكم على مدى كارثية مثل هذه الضربة؛ لأن التقارير الروسية عن الحوادث النووية لا يمكن الوثوق بها تاريخيًّا، وحتى إذا لم تضرب الهجمة رأسًا حربيًّا بشكل مباشر، فقد يؤدي ذلك إلى إتلاف أنظمة الأمن النووي أو قتل الحراس، وبالتالي جعل الرؤوس الحربية عرضة للسرقة".
ولفتت إلى أن الرؤوس الحربية النووية غير آمنة بشكل خاص عندما تكون موجودة في نقاط نقل السكك الحديدية في روسيا، على الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كانت روسيا تنقل الرؤوس الحربية حاليًّا عبر أي من هذه المواقع، فإذا كانت تفعل ذلك، فإن طائرة أوكرانية من دون طيار أو حطام من قاذفة أو نظام دفاع جوي روسي أو هجوم صاروخي يمكن أن يصيبها بسهولة.
وقالت: "ولكن لماذا لا يكون من الممكن أن نتصور أن روسيا قادرة على نقل رؤوس حربية نووية؟ بما أن روسيا لديها مخزون من آلاف الرؤوس الحربية، فهناك دائمًا عدد قليل منها يُنقل للصيانة، وربما لا تتمكن أوكرانيا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والأقمار الصناعية مفتوحة المصدر من التمييز بين ما إذا كانت روسيا تنقل رؤوسًا حربية للصيانة أم الأمن أم إلى قاعدة عسكرية قد تنطلق منها".
وأضافت: "تخيل لو اكتشفت الولايات المتحدة أو أوكرانيا حركة سرية لرأس حربي وفسرتها على أنها جزء من عملية متعمدة ضد أوكرانيا أو دولة عضو في حلف شمال الأطلسي، فسوف يتعين عليهما أن يفكرا في استهداف شحنة الرؤوس الحربية هذه استباقيًّا".
وبحسب المجلة، قد تتمكن مجموعة صغيرة من المقاتلين المارقين من الاستيلاء على الرؤوس الحربية النووية الروسية.
وعدَّته بعيدًا عن المخاطر المباشرة، فإن تخزين الرؤوس الحربية النووية في منطقة حرب يزيد احتمالات اتخاذ إجراءات تصعيدية من جانب الكرملين.
وتنص العقيدة النووية الروسية على أن الهجوم على أي عنصر من عناصر قوتها الرادعة يبرر الرد النووي، وليس من الواضح ما إذا كانت الضربة العرضية على موقع لتخزين الرؤوس الحربية النووية من شأنها أن تتجاوز الخط الأحمر النووي الروسي، ولكن بوتن سعى مؤخرًا إلى لفت الانتباه إلى عقيدة التصعيد التي تتبناها بلاده.
وقالت: الواقع أن حقيقة أن الرؤوس الحربية النووية الروسية قريبة للغاية من أوكرانيا قد تغري روسيا في واقع الأمر بإجراء عملية كاذبة على مواقع تخزينها الخاصة من أجل تبرير هجوم نووي، ولكن ربما يكون الخطر الأعظم الذي تشكله مواقع تخزين الأسلحة النووية الروسية الآن هو الخطر الذي صُوِّر في الأصل بعد نهاية الحرب الباردة، أي الخطر المتمثل في إمكانية الاستيلاء على الرؤوس الحربية من قبل مجموعة صغيرة مارقة من المقاتلين".
"ولا تزال روسيا تواجه تهديدات داخلية بما في ذلك الإرهابيون والانفصاليون وآلاف المقاتلين السابقين من فاغنر المنتشرين الآن في جميع أنحاء روسيا وبيلاروسيا، وقد أدت أفعالها في أوكرانيا إلى تفاقم الخطر الذي تشكله هذه التهديدات طويلة الأمد إلى حد كبير".
في السادس من أغسطس/ آب، دخلت القوات الأوكرانية الأراضي الروسية واستولت على مساحة من منطقة كورسك، وهي المنطقة التي تقع بين موقعين روسيين كبيرين لتخزين الأسلحة (في بريانسك وفورونيج) يضمان مئات الرؤوس الحربية.
والقلق ليس أن يقوم الجيش الأوكراني بشيء خطر باستخدام أسلحة نووية غير مرخصة، ولكن إذا هاجم الجيش الأوكراني أو طرد قوات الأمن الروسية من موقع تخزين، فقد يدخل أطراف مارقة إلى الموقع ويستولون على رؤوسه الحربية.
على سبيل المثال، قد يرغب أعضاء سابقون في شركة فاغنر شبه العسكرية في استخدام مثل هذه الرؤوس الحربية ضد أوكرانيا، أو قد يرغب الروس الذين يقاتلون نيابة عن أوكرانيا في مهاجمة مدينة روسية.
وقد يحرض طرف روسي واحد على مثل هذه العملية بتوجيه من السلطات الروسية أو من دونه، ومع انخراط جيشها في أوكرانيا، فقد لا تتوفر لدى روسيا ببساطة قوات عسكرية متاحة للرد على هجوم على موقع أو قافلة لتخزين الرؤوس الحربية.
وأكدت المجلة على حاجة روسيا إلى إنهاء هجومها على أوكرانيا والصراع عبر الحدود المتزايد التعقيد الذي أحدثه غزوها، ولكن في غياب نهاية فورية للحرب في الأفق، فلا بد من اتخاذ خطوات أكثر إلحاحًا.
وختمت: "في الأمد القريب، لا بد من إزالة الرؤوس الحربية النووية الروسية من أي قاعدة قريبة من العمليات الحربية والقواعد التي تشن منها روسيا هجمات تقليدية، وحتى الآن فشلت روسيا في إبعاد رؤوسها الحربية عن الخطر".