قال كاتب بريطاني إن الأزمة السياسية العميقة التي يواجهها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تشكّل تحذيرًا لرئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر.
وأضاف الكاتب البريطاني، رافائيل بير، أن كلا الزعيمين تبنّيا مشروعًا سياسيًا يقوم على احتلال الوسط المعتدل، لكنهما فشلا في تحويل هذا الموقع إلى إرث سياسي مستدام.
وتابع: "لم يكن هناك أي ارتباط مباشر بين الاستقرار السياسي في بريطانيا وفرنسا، بل جاءت الأمور مصادفة حين فاز ستارمر بأغلبية ساحقة في يوليو/تموز الماضي، في الوقت نفسه الذي جعلت فيه الانتخابات التشريعية فرنسا غير قابلة للحكم بالنسبة لماكرون".
وأكد بير أن النتيجة كانت سوء حظ لكليهما، إذ جاء مسارهما السياسي خارج التزامن، فبعد أن تعامل ماكرون مع أربعة رؤساء وزراء بريطانيين محافظين، وجد في ستارمر أخيرًا حليفًا محتملًا، لكن بعد فوات الأوان، إذ بدأ عهده الرئاسي يتدهور، في وقت كانت فيه بريطانيا تفيق من هذيان البريكست.
وقال: "الحالتان ليستا متكافئتين من حيث الحجم، إذ أن فشل البرلمان الفرنسي يمثل فوضى كبيرة، بينما كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كارثة هائلة. لكنهما يشتركان في كونهما ضررًا ذاتيًا نجم عن قادة مغرورين، مفرطين في الثقة بقدرتهم على الإقناع".
ووفق بير، فإن رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون دعا إلى استفتاء العام 2016 ظنًا منه أنه يستطيع إبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، بينما أحرقت خليفته تيريزا ماي أغلبية حزبها البرلمانية العام 2017 بسبب سوء تقديرها لرد فعل الناخبين.
أشهر من الشلل والانقسامات السياسية
أما ماكرون فجمع بين هذين الخطأين، إذ حلّ الجمعية الوطنية الصيف الماضي، معتقدًا أن الانتخابات الجديدة ستدفع المعتدلين لمواجهة خطر اليمين المتطرف (التجمع الوطني)، الذي حقق مؤخرًا نتائج قوية في الانتخابات الأوروبية، وفق الكاتب البريطاني.
وأكد أن ماكرون نجح في حشد ملايين الناخبين لرفض اليمين، لكن المكاسب ذهبت إلى أحزاب اليسار التي تكنّ عداءً للرئيس.
ولفت إلى رد ماكرون بمحاولة تشكيل حكومات من دائرة ضيقة من الوسطيين المخلصين، متجاهلًا الحسابات البرلمانية، ومتحديًا الأعراف التي تقضي بأن يختار الرئيس رئيس وزراء يراعي إرادة الناخبين.
وكانت النتيجة أشهرًا من الشلل والانقسامات السياسية، مع حكومات تكنوقراطية متساقطة، ومطالب بانتخابات جديدة أو استقالة رئاسية، على حد تعبير الكاتب.
وقال بير إنه رغم ذلك، لا يعتزم ماكرون التنحي قبل انتهاء ولايته في عام 2027، لكن لا توجد لديه خطة واضحة لتحقيق إنجازات قبل ذلك، مؤكدًا أن هذا المزيج من الفوضى والجمود يذكّر بأزمة البريكست التي أهلكت البرلمان البريطاني حتى ديسمبر/كانون أول العام 2019.
صعود اليمين المتطرف
ويرى الكاتب بير أنه في النسخة الفرنسية من هذا السيناريو، قد ينتهي المشهد بوصول زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان أو بديلها الشاب جوردان بارديلا إلى قصر الإليزيه؛ ما يعكس هشاشة الوسط السياسي.
ورغم اختلاف فرنسا عن بريطانيا في دستورها وثقافتها السياسية، فإن القرب الجغرافي والتاريخ المشترك يجعل المقارنات مغرية، فالقادة في البلدين نادرًا ما يتسمون بالألفة، وغالبًا ما يكون القرب سببًا في التنافس، حتى عند سعيهما للتعاون الدولي، وفق تعبير الكاتب البريطاني.
وأوضح أن ماكرون وستارمر صعدا إلى السلطة من دون خبرة سياسية واسعة؛ ما جعلهما أقل استعدادًا لمواجهة الصراعات الداخلية.
وقال بير: "غرور ماكرون كان أكثر وضوحًا مقارنة بثقة ستارمر الهادئة، لكنهما معًا أنتجا خصومًا بلا داعٍ، بسبب رفضهما توسيع دوائر التحالف السياسي".
ورغم أنه يمكن للرجلين التعاون في ملفات مثل أوكرانيا، والأمن والدفاع المشتركين، والهجرة غير الشرعية، مع تحقيق مكاسب واضحة في الثقة المتبادلة، خصوصًا بعد أن تراجعت الضغوط الإعلامية السلبية بين لندن وباريس، فإن هناك قيودًا هيكلية على التعاون بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، إضافة إلى غياب رؤية واضحة من ستارمر لعلاقة بلاده المستقبلية بأوروبا؛ ما يجعل تعزيز التعاون الأوروبي صعبًا، بحسب الكاتب.
في المحصلة، لا تعد مقارنة "الماكرونية" و"الستارمرية" إلا مأساة فرصة ضائعة؛ إذ احتل الزعيمان الوسط، لكنهما فشلا في ترك إرث سياسي مستدام، وفق تعبير الكاتب.
ولفت إلى أن الفخ الذي وقع فيه ماكرون، مع صعود القوى الراديكالية وفقدان الدعم للمركز، هو نفسه الذي يهدد ستارمر، إذ أن تجاهل دروسه قد يقوده إلى النهاية نفسها.
وأوضح أن الرئيس الفرنسي محاصر بقوى راديكالية يمينًا ويسارًا، كلٌّ منهما يعتبر الآخر عدوه اللدود، لكنهما يتفقان على ازدراء رئيسٍ فقد طريقه، ولا يترك ماكرون وراءه خليفة سياسيًا يمكن أن يرثه، فدعمه لأي مرشح قد يكون بمثابة قبلة موت سياسية، أما نداء الدفاع عن الجمهورية في وجه اليمين المتطرف، حيث فقد بريقه وتكرّر حتى استُهلك عبر الانتخابات المتعاقبة.
ويختتم الكاتب بالقول: "في بريطانيا، ينظر اليميني نايجل فاراج ورفاقه إلى ما يحدث ويتعلمون، يراقبون كيف تُنهك مقاومة الوسط، وكيف يتآكل الدعم للمركز الليبرالي؛ لأنه لا يجد صوته إلا في لحظات الدفاع الأخيرة، يرون كيف يمكن توصيف الحكومة المعتدلة البراغماتية بأنها ضعيفة وفاسدة ومدافعة عن الوضع القائم.. وها هو الفخ يُنصب لكير ستارمر، فإذا تأمل مصير ماكرون جيدًا، فقد يتعلم كيف يتجنّب السير في الطريق نفسه، قبل أن ينتهي به المطاف إلى النهاية ذاتها".