رأى محللون سياسيون أن انتهاء عملية برخان العسكرية الفرنسية في أفريقيا، أسهم بحلول القوات الروسية مكانها.
وبينما كانت فرنسا تسعى لتعزيز وجودها العسكري في منطقة الساحل الأفريقي تحت شعار "مكافحة الإرهاب"، أدى انسحاب قواتها من مالي إلى فتح الباب واسعًا أمام النفوذ الروسي.
وبالتحالف مع المجلس العسكري في باماكو العاصمة المالية، أسس مرتزقة فاغنر نظامًا من الرعب، حسب تقارير.
وتكشف شهادات الناجين من هذه الكارثة "واقعًا مريرًا" يلقي بظلاله على مستقبل منطقة الساحل بأسرها، فقد أصبحت لعبة المصالح الدولية سببًا في معاناة المدنيين.
وقال الخبير في الشؤون الأفريقية فيليب كولان، إن "انسحاب فرنسا من مالي أتاح لروسيا فرصة ذهبية لتوسيع نفوذها في أفريقيا".
وأضاف كولان لـ"إرم نيوز"، أن "موسكو تستغل المجلس العسكري المالي لتحقيق أهدافها، بينما المدنيون يدفعون الثمن. هذه الاستراتيجية الروسية تُظهر بوضوح كيف تحاول موسكو زعزعة الاستقرار قرب أوروبا".
وبدوره، قال المحلل في مركز الدراسات الأفريقية في ليون، لوران بوييه، إن "التحدي الأكبر الآن ليس فقط السيطرة على النفوذ الروسي، بل إعادة بناء الثقة مع الشعوب الأفريقية".
ورأى بوييه أن "غياب فرنسا ترك فراغًا أمنيًا كبيرًا أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في الساحل، ويجب على المجتمع الدولي تحمل مسؤوليته لوقف هذه الكارثة".
وأضاف أنه "بين الانسحاب الفرنسي والنفوذ الروسي المتزايد، أصبحت مالي ومنطقة الساحل بأكملها رمزًا لتشابك المصالح الدولية على حساب الشعوب".
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلنت السنغال عزمها طرد الجنود الفرنسيين من أراضيها.
هذه التصريحات جاءت كجزء من موجة الانسحاب العسكري الفرنسي التي شملت مالي وبوركينا فاسو والنيجر، والآن تمتد إلى تشاد والسنغال، مع تقليص للقوات في ساحل العاج والغابون.
واعتبر بوييه أن "هذا التراجع الفرنسي السريع لم يكن نتيجة استراتيجية مدروسة، بل جاء نتيجة للتردد السياسي الذي أضعف نفوذ باريس وأفقدها القدرة على مواجهة التحديات الإقليمية".
وأشار إلى أنه "مع انسحاب فرنسا، أصبح المسرح خاليًا لتوسيع النفوذ الروسي. المرتزقة التابعون لمجموعة فاغنر، المدعومون من المجلس العسكري المالي، استغلوا الفراغ الأمني لنشر الرعب في شمالي ووسط مالي".
عشرات المدنيين تحدثوا عن المعاناة التي بدأت فور انسحاب قوات "برخان" الفرنسية.
وكانوا يعيشون في أمان نسبي في المناطق التي كانت تحت حماية القوات الفرنسية، لكن بعد مغادرتها، وجدوا أنفسهم في قبضة الفوضى التي خلقتها الميليشيات الروسية.
وتقول إحدى الناجيات لوسائل إعلام فرنسية: "وصلوا إلى قريتنا بسرعة لا تصدق. كانوا مصحوبين بعناصر من الجيش المالي. اعتقلوا الرجال عشوائيًا وأخذوهم بعيدًا عن القرية. لم نفهم أبدًا لماذا حدث كل هذا".
كما أن الهجرة أصبحت إحدى النتائج الكارثية لهذا الوضع، فقد اضطر كثير من الضحايا إلى الفرار إلى دول مجاورة، أو شمالًا نحو أوروبا، بحثًا عن الأمان.
وتمكن السياسيون في باماكو، باستخدام خطابهم المعادي للاستعمار، من تبرير طرد القوات الفرنسية، لكن ذلك فتح الباب لسيطرة روسيا.
وواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انتقادات حادة بسبب غياب رؤية واضحة للسياسة الفرنسية في أفريقيا.
هذا التراجع العسكري الفرنسي أتاح لموسكو تحقيق مكاسب جيوسياسية.