شهدت فرنسا في الأول من مايو، مظاهرات حاشدة بمناسبة عيد العمال عكست عودة قوية للحراك الاجتماعي في ظل أزمات معيشية متفاقمة، لكنها كشفت في الوقت نفسه الانقسامات العميقة التي تعصف باليسار الفرنسي.
ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة "لوموند الفرنسية"، قُدّر عدد المشاركين في التظاهرات بـ 157 ألف شخص على مستوى البلاد، بحسب وزارة الداخلية، مقارنة بـ121 ألفًا في العام الماضي.
وفي العاصمة باريس، بلغ عدد المتظاهرين نحو 32 ألفًا، بينما قالت نقابة "CGT" إن الرقم تجاوز 100 ألف، مشيرة إلى تعبئة غير مسبوقة منذ سنوات.
بدورها، اعتبرت النقابات أن هذه الأعداد تمثل مؤشراً واضحاً على عودة القضايا الاجتماعية إلى صدارة الاهتمام الشعبي، في ظل هيمنة النقاشات السياسية حول الهجرة والأمن والدين.
وأوضح التقرير أن 4 من أبرز النقابات الفرنسية، وهي "الاتحاد العام للعمل" (CGT)، "القوة العمالية" (FO)، "الاتحاد الفرنسي للتعليم" (FSU)، و"العملات" (Solidaires)، تقدمت المسيرات في العاصمة باريس.
وشاركت في التظاهرات وفود طلابية وعمالية بالإضافة إلى ممثلين عن نقابات دولية، مثل إستر لينش، الأمينة العامة للكونفدرالية الأوروبية للنقابات.
ورفعت هذه التظاهرات شعارات تركز على الدفاع عن مكتسبات العمال، ورفض الخطاب السياسي المهيمن حول "الدين، الهجرة، وانعدام الأمن"، بحسب ما صرحت به الأمينة العامة للاتحاد العام للعمل صوفي بينيه، أن "القضايا الاجتماعية تظل الأولوية الحقيقية للفرنسيين".
بدورهم، أعرب العديد من المشاركين عن قلقهم من تدهور الأوضاع الاقتصادية والخدمات العامة.
وأردف التقرير يقول، إن مشهد الوحدة سرعان ما تخللته خلافات حادة، إذ استغل زعيم حزب "فرنسا الأبية"، جان-لوك ميلانشون، المناسبة لتوجيه رسائل سياسية مبطنة ضد شركائه في اليسار، دون أن يسميهم مباشرة.
ودعا ميلانشون إلى العودة إلى سن التقاعد عند 60 عامًا، ملمحًا إلى أن بعض أحزاب اليسار تراجعت عن هذا المطلب.
وأثارت هذه التصريحات استياء عدد من القيادات النقابية التي أكدت أن الأول من مايو "يوم نقابي بامتياز"، وليس مناسبة لـ"الصراعات الحزبية"، وفق ما أكده فريديريك سويّو، الأمين العام لنقابة FO.
وتصاعد التوتر في العاصمة عندما تعرّض جناح الحزب الاشتراكي لاعتداء لفظي وجسدي من قبل مجموعة من المتظاهرين، بينهم منتمون لحركات مناهِضة للفاشية و "السترات الصفراء".
ووجه المعتدون شتائم لاذعة لنواب الحزب، مستحضرين ملفات قديمة أبرزها قانون العمل لعام 2016.
وتدخلت قوات الأمن لتفريق المعتدين، بعد عجز الطاقم التنظيمي للحزب عن احتواء الوضع، حيث أسفر الحادث عن إصابة 4 أشخاص بجروح طفيفة، بحسب وزارة الداخلية، فيما تم تسجيل 72 حالة اعتقال في عموم البلاد، بينها 28 في باريس.
وفي موازاة ذلك، شهدت مدن أخرى، مثل دونكيرك، فعاليات ميدانية لقيادات يسارية من خارج "فرنسا الأبية"، أبرزهم أوليفييه فور (الحزب الاشتراكي)، وفرانسوا روفين (حركة بيكاردي واقفة)، ومارين تونديلييه (حزب الخضر)، حيث عبر هؤلاء عن تضامنهم مع عمال مصنع "أرسيلور ميتال" المهددين بفقدان وظائفهم.
وخلص تقرير "لوموند" إلى القول، إن "هذه المشاهد الاحتجاجية تأتي في وقت حرج يسبق الانتخابات الأوروبية المقبلة، ما يعزز المخاوف من اتساع الفجوة بين النقابات والأحزاب السياسية، ويضع مستقبل اليسار الفرنسي على المحك في مواجهة صعود اليمين المتطرف وتراجع الثقة الشعبية في المؤسسات التقليدية.