في ظل انقسامات داخلية وتراجع في الشعبية، يعيش الحزب الاشتراكي الفرنسي ساعات مصيرية قد تحدد ملامح اليسار للسنوات المقبلة، فبين مرشح يراهن على تحالفات واسعة وآخر يدعو لإعادة بناء الهوية الاشتراكية، تختار القواعد من سيتولّى قيادة الحزب، وسط تساؤلات جوهرية حول من يقود ومن يوحّد اليسار قبل رئاسيات 2027.
وتوجه أعضاء الحزب الاشتراكي الفرنسي، اليوم الخميس، إلى صناديق الاقتراع لحسم السباق الساخن على منصب السكرتير الأول للحزب، حيث يحتدم التنافس بين النائب أوليفييه فاوري، الذي يُعتبر الأوفر حظًا بعد إعلان المرشح الثالث بوريس فالّو دعمه له، وبين رئيس بلدية روان نيكولا ماير-روسينول، الذي يمثل جناحًا ينتقد أسلوب فاوري وتحالفاته السابقة.
ويشارك في هذا التصويت نحو 24,701 عضوًا من أصل 40 ألفًا مسجلين في الحزب، حيث تُفتح مكاتب الاقتراع من الخامسة إلى العاشرة مساءً، على أن تُعلن النتائج في وقت متأخر من الليل بعد مصادقة اللجنة المختصة يوم الجمعة، بحسب صحيفة "لوبينيون" الفرنسية.
هل ينجو اليسار من الانقسام؟
ورأى الباحث الفرنسي في العلوم السياسية غيوم فورتان، من معهد "مونتين"، لـ"إرم نيوز" أن "ما يجري داخل الحزب الاشتراكي ليس مجرد انتخاب داخلي، بل لحظة حاسمة في محاولة إنقاذ اليسار الفرنسي من التلاشي.
وأوضح أن "فاوري يراهن على تحالفات مرنة تمتد من غلوكسمان إلى شخصيات من اليسار الراديكالي، بينما يسعى ماير-روسينول لإعادة تأسيس شرعية الحزب كمحور وسطي مستقل. النتيجة ستكون إما بداية تقارب واسع داخل اليسار أو استمرار التفتت... ومعه، هدية مجانية لمارين لوبان في 2027".
الغموض لا يزال سيد الموقف
أظهرت نتائج الجولة الأولى تقدم فاوري بنسبة 42.21% مقابل 40.38% لخصمه ماير-روسينول، ورغم أن الفارق طفيف، إلا أن دعم بوريس فالّو – الذي حصل على 17.41% في الجولة الأولى – قد يكون حاسمًا. لكنه أكد أن دعمه لا يُعد "شيكًا على بياض"، بل مشروطًا بإصلاحات داخلية، وتعزيز الحوكمة، وإطلاق معهد للتكوين السياسي.
وشدد فالّو على أنه تلقّى من فاوري التزامات واضحة بشأن تجديد آليات العمل وتوسيع القيادة، وهو ما قد يخفف من تحفظاته القديمة بشأن تسيير فاوري "العشائري" للحزب.
انقسام داخلي
يعيد المشهد الحالي إلى الأذهان مؤتمر مرسيليا العام 2023، حين انقسم الحزب بين مؤيدين لتحالف "نوبس" المعارض للرئيس ماكرون، ورافضين له، واليوم، يعود الصراع في ثوب إستراتيجي حول مستقبل الحزب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ومدى ضرورة توحيد صفوف اليسار.
من جانبه، يحذّر نيكولا ماير-روسينول، من تكرار سيناريو التشرذم، ويؤكد أن الحزب في "حالة احتضار"، داعيًا إلى بناء حزب اشتراكي قوي يجمع الشخصيات اليسارية من داخل الحزب وخارجه، كرفائيل غلوكسمان، وبرنار كازنوف.
وحشد حوله ائتلافًا واسعًا من خصوم فاوري – حتى وإن رفض تسميته بهذا الشكل – ضم رئيسة إقليم أوكسيتاني كارول ديلغا، ورئيس بلدية فولو أون فيلان هيلين جوفرا، والنائب فيليب برون، ورئيس بلدية سانت-أوين كريم بوعمرن.
وتدور الانتقادات الأساسية لفاوري حول علاقته السابقة بجان لوك ميلانشون وحزب "فرنسا الأبية"، وتحالفه معه في إطار "نوبس" العام 2022، ثم "الجبهة الشعبية الجديدة" العام 2024، ورغم إعلانه ابتعاده عن هذا الخط، يعتبره خصومه مسؤولًا عن تشويه صورة الحزب، وتهميش شخصياته لصالح تحالفات انتخابية قصيرة المدى.
ويذهب البعض إلى حد اتهامه باستخدام هذا المؤتمر كنقطة انطلاق نحو الترشح للرئاسيات في 2027، وهو ما ينفيه فاوري، قائلًا إن المؤتمر "ليس لتعيين مرشح رئاسي"، إلا أن المقربين منه لا يخفون طموحهم في رؤيته مترشحًا.