logo
العالم

من الشراكة إلى الانتقام.. هل أحرق ترامب جسور التعاون مع نيودلهي؟

من الشراكة إلى الانتقام.. هل أحرق ترامب جسور التعاون مع نيودلهي؟
دونالد ترامب وناريندرا موديالمصدر: غيتي
06 أغسطس 2025، 5:30 م

لم يمضِ وقتٌ طويل منذ أن احتضن كل من رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعضهما على المسرح، يتبادلان المديح وسط صخب الجماهير، في مشهد يوحي بتحالف لا يهتز بين زعيميْن شعبويّيْن.

لكن اليوم، يبدو أن هذه "الرومانسية السياسية" تنهار تحت وطأة الرسوم الجمركية، وأزمات النفط، والتحولات في الولاءات الدولية.

أخبار ذات علاقة

فلاديمير بوتين وناريندرا مودي ودونالد ترامب

بين موسكو وواشنطن.. الهند تصطدم بواقع استراتيجي جديد

 
ترامب يقصف بالرسوم والاتهامات

في خطوة أربكت الساحة، أعلن ترامب الأسبوع الماضي عن زيادة التعرفة الجمركية بنسبة 25% على الواردات الهندية، مرفقة بتهديدات غير محددة بشأن استمرار نيودلهي في شراء النفط الروسي.

على منصته "تروث سوشيال"، اتهم الهند صراحة بـ"شراء كميات ضخمة من النفط الروسي" و"تحقيق أرباح على حساب دماء الأوكرانيين"، مضيفًا: "هم لا يكترثون بعدد من يُقتل في أوكرانيا على يد آلة الحرب الروسية".

ولم يتوقف عند ذلك، بل هدد برفع الرسوم "بشكل كبير" إذا استمرت الهند في هذا النهج.

هذه التصريحات أزعجت صناع القرار في نيودلهي، إذ اعتُبرت أكثر من مجرد خلاف تجاري، بل ضربة سياسية تمس جوهر التوازن الذي تنتهجه الهند بين الحفاظ على استقلالها الاستراتيجي والتقارب مع الغرب.

أخبار ذات علاقة

علما الهند والولايات المتحدة

الهند رداً على رسوم ترامب الجديدة: "سنتخذ ما يلزم"

ويُحذر أميت كومار، الخبير في الشؤون الجيوسياسية بمؤسسة "تاكشاشيلا" البحثية الهندية، من التداعيات طويلة الأجل لهذا التصعيد، قائلًا: "بلا شك، الرسوم الجمركية التي أعلنها الرئيس ترامب تمثل تراجعًا عن التفاهمات التجارية التي بُنيت خلال العقدين الأخيرين.

لكن ما يُثير القلق أكثر من الإجراءات ذاتها هو الخطاب السياسي الذي يصاحبها، والذي يصوّر الهند كشريك استغلالي.

كما أوضح "كومار" أن هذا النوع من التصريحات يُقوّض الثقة الاستراتيجية، ويدفع النخب السياسية والاقتصادية في نيودلهي إلى إعادة تقييم مدى استقرار العلاقة مع الولايات المتحدة، خاصة إذا أصبحت السياسات الأمريكية مرهونة بالتقلبات الشعبوية والانتخابية.

فالمستقبل سيعتمد على قدرة الطرفين على تجاوز هذا الخطاب والعودة إلى منطق المصالح المتبادلة".

 الهند ترد بهدوء محسوب

رغم السخونة الأمريكية، فضّلت الهند الرد بهدوء — مبدئيًا. فقد دعا وزير التجارة بيوش غويال إلى "صفقة عادلة ومفيدة للطرفين"، لكن سرعان ما صدر بيان من وزارة الخارجية وصف فيه انتقادات ترامب بأنها "غير مبررة وغير مقبولة"، مع تعهد بـ"حماية الأمن الاقتصادي والمصالح الوطنية".

أخبار ذات علاقة

دونالد ترامب ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي

رد حاد على تهديد ترامب.. الهند تعيد رسم الخطوط الحمراء مع واشنطن

وأوضحت الهند أن زيادة واردات النفط الروسي جاءت بدافع الضرورة، لا الخيار، بعدما استحوذت أوروبا على الإمدادات التقليدية بسبب أزمة أوكرانيا.

ووصفت موقف بعض الدول الغربية بأنه "نفاق"، إذ تواصل هذه الدول تجارتها مع موسكو بينما تنتقد نيودلهي.

تحالف استراتيجي تحت الضغط

على مدار عقدين، بنت الهند والولايات المتحدة شراكة استراتيجية عميقة تشمل الدفاع، التكنولوجيا، ومكافحة الإرهاب.

 لكن تصاعد لهجة ترامب، خصوصًا تقاربه مع باكستان، دق ناقوس الخطر في أروقة الحكم بنيودلهي.

ففي وقت سابق هذا العام، اندلعت اشتباكات حدودية بين الهند وباكستان على خلفية مجزرة في كشمير.

ورغم تحميل نيودلهي لباكستان المسؤولية، خرج ترامب لاحقًا مدعيًا توسطه لوقف إطلاق النار، بل وألمح إلى "حل ممكن" لقضية كشمير — وهو خط أحمر بالنسبة للهند.

وفي خطوة زادت الطين بلّة، استضاف ترامب مسؤولًا عسكريًا باكستانيًا رفيعًا على غداء خاص، وأشاد بجهود إسلام آباد في مكافحة الإرهاب.

بل وذهب أبعد من ذلك بتلميحه إلى صفقة ضخمة لاستكشاف النفط بين واشنطن وإسلام آباد، قائلاً بسخرية إن "الهند ربما ستضطر يومًا لشراء النفط من باكستان".

أخبار ذات علاقة

ترامب ومودي

بلومبيرغ: الهند تجد صعوبة كبيرة في التواصل مع إدارة ترامب

 

خلف العناق الجمركي

الاقتصاد الهندي على حافة الخطر بعيدًا عن الضجيج السياسي والتصريحات النارية، تُواجه نيودلهي خطرًا اقتصاديًا حقيقيًا.

فالرسوم الجمركية الأميركية قد تُوجّه ضربة قاصمة للصناعات الهندية، في لحظة حساسة تتفاوض فيها الهند على أكبر صفقة تجارية ثنائية مع واشنطن تشمل قطاعات حيوية كالوصول إلى الأسواق الزراعية — وهي قضية مُتفجرة في ظل إرث احتجاجات المزارعين.

واشنطن – إسلام آباد: تحالف ناشئ على أنقاض الشراكة مع الهند

في المقابل، يبدو أن باكستان تلتقط ما تسقطه الهند من يدها.

فبعد أن بلغ حجم التجارة بين واشنطن وإسلام آباد 7.3 مليار دولار فقط في 2024، جاءت رسوم جمركية متبادلة بنسبة 29% في أوائل 2025 لتدفع الطرفين نحو صفقة شاملة: قطاعا التعدين والطاقة الباكستانيان يُفتحان أمام أمريكا، مقابل تخفيض التعريفات إلى 19%، واتفاق نفطي مع ترامب يُلمّح إلى تصدير محتمل للهند مستقبلًا.

ولم تكن زيارة الجنرال عاصم منير، قائد الجيش الباكستاني، إلى البيت الأبيض رمزية فحسب، بل حملت معها مؤشرات على تحول استراتيجي عملي، تُعيد عبره باكستان التموضع كشريك "قابل للتكيّف" في مواجهة تصلّب نيودلهي.

وفي ظل التقارب الأمريكي الأخير مع إسلام آباد، يرى "كومار" أن ما يجري ليس بالضرورة تحولًا جيوسياسيًا كاملًا، بل: "مزيج من البراغماتية التكتيكية والرسائل السياسية.

 صحيح أن الولايات المتحدة تُعيد فتح خطوط التواصل مع باكستان في مجالات الطاقة ومكافحة الإرهاب، لكن من المبكر القول إن هناك تحولًا استراتيجيًا حقيقيًا.

فواشنطن تستخدم هذا الانفتاح كورقة ضغط واضحة على نيودلهي، خاصة في ظل رفض الهند الانصياع لمطالبها المتعلقة بالنفط الروسي والملفات التجارية.

ومع ذلك، على الهند ألا تستهين بهذا التحول، فحتى التكتيك قد يُصبح واقعًا إذا لم يتم احتواؤه مبكرًا".

أخبار ذات علاقة

حقل انتاج النفط في روسيا

الهند تتهم أوروبا وأمريكا بازدواجية المعايير بشأن التجارة مع روسيا

 

أزمة عابرة أم شرخ دائم؟

يرى بعض المحللين أن ما يجري قد لا يكون إلا حلقة جديدة في دراما ترامب المتقلبة. يقول المحلل سريرام تشوليا: "مع تقلبات ترامب، قد نرى غدًا مصافحات وابتسامات جديدة".

لكن آخرين يحذرون من أن الثقة بدأت تتآكل. ومع تغير موازين القوى بين صعود الصين، وحرب روسيا، واهتزاز النظام الدولي، فإن الاستقرار والثقة أصبحا عملتين نادرتين في العلاقات الدولية.

إذا استمرت تهديدات ترامب وشتائمه على مواقع التواصل، فقد تجد أكبر ديمقراطيتين في العالم نفسيهما على مفترق طرق — لا بسبب اتفاقيات أو مؤتمرات، بل بفعل تغريدة وتعرفة، وزلزال في توازن التحالفات العالمية.

وفيما يتعلق بالسيناريوهات المحتملة في حال استمر التصعيد الأمريكي، فيُعلق كومار محذرًا: "الهند لا تتحرك بردود فعل آنية، لكنها تُدرك تمامًا أن استمرار النهج التصادمي من واشنطن سيُغيّر معادلات الثقة".

أخبار ذات علاقة

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

ترامب يُهدد بزيادة كبيرة لرسومه على الهند بسبب النفط الروسي

وذكر كومار أنه "في حال استمرار التصعيد، قد نشهد تسريعًا في خطوات نيودلهي لتنويع شراكاتها، سواء مع روسيا في الطاقة والدفاع، أو حتى مع الصين في بعض الأطر الاقتصادية الإقليمية مثل بريكس أو شنغهاي.

لكن لا يعني ذلك تحولًا جذريًا نحو معسكر آخر، بل إعادة توازن محسوبة تحافظ على استقلال القرار الهندي وتُجنّب البلاد الوقوع في محاور جامدة.

وإذا أغلقت واشنطن الباب، لن تتردد نيودلهي في فتح نوافذ أخرى".

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC