يرى خبراء العلاقات الدولية أن إصرار زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، على الإعلان عن خططه النووية رغم الرفض الأمريكي، يعود إلى عدة عوامل رئيسية؛ أبرزها الثقة الكبيرة التي اكتسبها من تحالفات بلاده مع روسيا والصين.
وأوضحوا في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن كوريا الشمالية باتت تراهن على عدة أوراق قوة من بينها الزخم الذي حصلت عليه من اجتماعات بكين الأخيرة، وشعورها بأنها لم تعد معزولة كما ترغب واشنطن، وأنها جزء من اصطفاف دولي واسع يستطيع كبح العقوبات عليها والتخفيف من آثارها.
ونقلت وكالة الأنباء المركزية الكورية الرسمية أن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، أعلن أن بلاده ستتبنى سياسة تهدف إلى التطوير المشترك للأسلحة النووية والقوة العسكرية التقليدية.
وفقًا للباحثة في الشؤون الآسيوية، الدكتورة تمارا برو، فإن هدف الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون هو الحصول على اعتراف دولي ببلاده كقوة نووية.
وترى برو أن بيونغ يانغ كثفت جهودها لتطوير ترسانتها النووية، خصوصًا بعد فشل المفاوضات مع الولايات المتحدة خلال الولاية الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث كثفت كوريا الشمالية تجاربها الصاروخية الباليستية، كما أطلقت أقمارًا صناعية بمساعدة من روسيا، ما يعزز من قدراتها العسكرية ويخدم هدفها الاستراتيجي.
وأضافت برو في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن بيونغ يانغ تصرح بأنها ليست في عجلة من أمرها للدخول في مفاوضات جديدة حول برنامجها النووي مع واشنطن، رغم محاولات الأخيرة المتكررة لإعادة الحوار، لافتة إلى أن الوضع تغير مقارنة بفترة رئاسة ترامب الأولى، إذ كانت بيونغ يانغ آنذاك تتعرض لضغوط من عدة أطراف، بما فيها روسيا والصين، لدفعها نحو التفاوض، بينما اليوم باتت في موقع مختلف تماما، بعد توقيعها اتفاقية دفاع مشترك مع روسيا.
وبحسب "برو"، بموجب هذا الاتفاق تلتزم موسكو الدفاع عن كوريا الشمالية في حال تعرضها لأي تهديد، كما قدمت دعما متقدما في مجال تطوير ترسانتها النووية إلى جانب مساعدات أخرى، في وقت أرسلت بيونغ يانغ قوات عسكرية لمساندة روسيا في حربها ضد أوكرانيا وخلال عمليات تحرير كورسك الروسية، مشيرة إلى أن العلاقة بين موسكو وبيونغ يانغ دخلت مرحلة متقدمة جدا، تقوم على التعاون والمصالح المشتركة.
ولفتت إلى أن السياسات الأمريكية، بما فيها العقوبات التي فرضها ترامب على الصين وروسيا، دفعت هذه الدول إلى التقارب وتعزيز الشراكة فيما بينها، مؤكدة أن متانة هذه العلاقات ظهرت جليا في مشاركة زعماء روسيا وكوريا الشمالية في احتفالات النصر التي أقامتها الصين مؤخرا.
وبينت برو أن مطالب كوريا الشمالية من الولايات المتحدة تتمثل في وقف المناورات العسكرية المشتركة مع كوريا الجنوبية، والاعتراف بها كقوة نووية، ورفع العقوبات المفروضة عليها، مؤكدة أن بيونغ يانغ لن تقدم على أي خطوات تفاوضية جادة ما لم تترجم واشنطن نواياها عبر إجراءات عملية على الأرض، تشمل وقف المناورات العسكرية، ورفع العقوبات، ووقف تزويد كوريا الجنوبية بالسلاح والغواصات النووية.
وختمت بأن الرئيس الكوري الجنوبي المنتخب حديثا قد يلعب دورا في تقريب وجهات النظر بين واشنطن وبيونغ يانغ، على غرار الرئيس الأسبق مون جاي إن، الذي كان له دور بارز في تقريب المواقف بين الجانبين خلال ولاية ترامب الأولى.
وبدوره، يوضح الباحث في العلاقات الدولية، الدكتور محمد بايرام، أن هذا الإعلان من رئيس كوريا الشمالية، يأتي في توقيت دقيق على الساحة الدولية التي تشهد أحداثا كثيرة، ويحمل أبعادا تتجاوز السجال التقليدي بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، ليتصل ذلك بمتغيرات استراتيجية أوسع تتعلق بصعود محور شرقي متماسك.
ويعتقد بايرام عبر تصريحاته لـ"إرم نيوز"، أن هناك ثقة كبيرة في إعلان كيم جونج أون، مستمدة من التحالفات الشرقية خلال السنوات الأربع الأخيرة وما جرى خلال الأسابيع الماضية من اجتماعات في عيد النصر في بكين وقمة شنغهاي، في وقت عملت فيه بيونغ يانغ على توسيع قدرتها السياسية والعسكرية ضمن تحالف شرقي تبلور بضم مع الصين وروسيا وإيران أيضا، ويستند لرؤية مواجهة الهيمنة الأمريكية الغربية.
وأشار بايرام إلى أن هناك زخما حصلت عليه كوريا الشمالية من اجتماع بكين الأخير، ما أعطى لها دفعة كبرى وعكس صورة واضحة أنها لم تعد معزولة بالكامل كما ترغب واشنطن بل هي جزء من اصطفاف دولي واسع يستطيع كبح العقوبات والتخفيف من آثارها.
ولفت بايرام إلى أن إصرار كوريا الشمالية عن الإعلان عن خطتها النووية دون الالتفات إلى موقف الولايات المتحدة يحمل رسائل متعددة منها التحدي المباشر، في وقت تريد فيه بيونغ يانغ إظهار أن الضغوط الأمريكية من عقوبات وعزلة ومناورات عسكرية محيطة لم تعد مجدية معها من جهة، ومن جهة أخرى، تثبيت معادلة ردع تجعل أي تدخل في شبه الجزيرة الكورية محفوفا بمخاطر نووية، في ظل التصعيد العسكري من واشنطن وسول وطوكيو.
وذكر بايرام أن المساومة المستقبلية حاضرة في هذا الإعلان العلني الذي يرفع سقف مطالب كوريا الشمالية تمهيدا لأي مفاوضات محتملة، إذ ترى بيونغ يانغ أن التراجع لن يتم إلا مقابل مكاسب كبرى.
وأردف، أن الإعلان يثبت جدية بيونغ يانغ داخل التحالف الشرقي، ويبرهن لموسكو وبكين أنها شريك يمكن الاعتماد عليه في مواجهة الغرب في وقت يوجد فيه إعادة لتشكيل النظام الدولي، حيث ترى كوريا الشمالية أن لحظة التحولات الحالية ما بين حرب أوكرانيا وتوترات بحر الصين، والحروب في الشرق الأوسط، تمثل فرصة تاريخية لإعلان نفسها قوة نووية كاملة العضوية في النادي غير الرسمي للقوى المناوئة.