logo
العالم

"6:29 صباحاً".. مظاهرات تل أبيب تعيد "ساعة الألم" إلى الذاكرة

"6:29 صباحاً".. مظاهرات تل أبيب تعيد "ساعة الألم" إلى الذاكرة
مظاهرات تل أبيبالمصدر: رويترز
17 أغسطس 2025، 12:52 م

تعيد المظاهرات التي تشهدها إسرائيل، منذ صباح اليوم، أجواء ما سبق أن عاشته في ساعة مبكرة من يوم 7 أكتوبر عام 2023.

في الساعة 6:29 صباحًا، تلك اللحظة التي شهدت اندلاع "هجوم حماس" في 7 أكتوبر 2023، انطلقت سلسلة احتجاجات غير مسبوقة في تل أبيب، لتُحوّل المدينة إلى مسرح حي للتضامن الوطني والذاكرة الجماعية.

لم تكن الساعة مجرد رقم على جدار، بل أصبحت رمزًا حيًا للصدمة والتحرك الجماعي، ساعة يرتعش معها التاريخ ويستنفر فيها كل قلب ينبض بالوعي والوطنية.

أخبار ذات علاقة

جانب من احتجاجات في تل أبيب

بين القمع والانتقادات.. أزمة الرهائن تعمّق الانقسام داخل إسرائيل

وعلى التقاطعات والطرق الرئيسية، كان المتظاهرون يرفعون الشرائط الصفراء، والرمز البارز للرهائن، ويوزعونها على المارة، كأنهم يزرعون رسالة واضحة: الألم لا يُنسى، والغياب لا يُغلق. 

احتجاجات صامتة

هذا اللون صار لغة احتجاج صامتة، مشهد بصري يربط بين المأساة الفردية والتضامن الجماعي، وبين الماضي المأساوي والحاضر الصاخب.

ولفت عمر عطاءالله، الباحث والمتخصص في الشؤون الإسرائيلية وشؤون الشرق الأوسط، إلى أن الشريط الأصفر استُخدم للمرة الأولى بهدف التضامن مع أسرى الحرب، منذ نحو 375 عامًا، وقد حرصت إسرائيل حكومة وشعبًا على استخدامه خلال مطالباتها بإعادة "المُختطفين" من غزة، بعد 7 أكتوبر، ليكون بمثابة رسالة واضحة يسهل على الجميع فهمها.

وأشار "عطاءالله"، في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، إلى أنه عند الحديث عن دلالة الساعة فهي تأكيد جماهيري للحكومة على تذكرهم للأحداث المأساوية، وتحميل الحكومة مسؤوليتها وضرورة الإعادة الفورية للمُختطفين في ظل حرب مستمرة لم تحقق أهدافها منذ 680 يومًا.

احتجاجات في تل أبيب

ويرى "عطاءالله" أن القرارات الحكومية الإسرائيلية -وفقًا للتاريخ- لا تعتمد على الضغط الشعبي مهما كان حجمه، وستقتصر على إظهار التضامن.

خريطة الاحتجاج.. من الشوارع إلى الساحات

بدأت الأحداث الكبرى عند الساعة 7 صباحًا في سوق سارونا، على بعد خطوات من مقر الجيش "كيريا"، حيث قدم "جماعة مجلس أكتوبر" بيانًا للصحافة، مؤكدًا أن الذاكرة الوطنية تحتاج لتوثيق مستمر وللنهوض بالضمير الجماعي.

وفي ساحة الرهائن، أقيم معرض للصور الفوتوغرافية من صباح اليوم وحتى السادسة مساءً، لتذكير المجتمع بالحياة والأرواح التي تغيّرت إلى الأبد. المسرح الرئيسي استضاف كلمات مؤثرة من أقارب الرهائن في الساعات 10 صباحًا، 12 ظهرًا، 2 ظهرًا، و4 عصرًا، كل كلمة كانت تضاعف شعلة الاحتجاج وتلهب الوعي العام.

تضافر القوى

لم يقتصر الاحتجاج على رمزية الساعة أو المشاهد البصرية، بل امتد ليشمل كل شرائح المجتمع الإسرائيلي؛ إذ انطلق الأطباء في مسيرة صباحية عند الساعة 9، حاملين شعارات التضامن والإنسانية.

تل أبيب

ونظّم الطلاب مسيرة بعد الظهر، تضمنت بيانًا صحفيًا من كبار الأكاديميين، يعكس قوة النخبة التعليمية في دعم القضية. كما سمحت الشركات والمؤسسات التعليمية لموظفيها بالمشاركة في الوقفات، مؤكدين أن التضامن الوطني ليس شعارًا، بل هو عمل جماعي ملموس.

وذكر "عطاءالله" أن التنوع المجتمعى في التظاهرات يشير إلى المعارضة الواسعة لاستمرار الحرب، وضرورة تحويل الإنجازات العسكرية إلى حقائق من شأنها إعادة المختطفين من خلال صفقة شاملة.

وأضاف أن هذا التنوع رسالة واضحة جديدة تشير إلى أن الشعب الإسرائيلي يتحد دائمًا عند وجود تهديد للإسرائيليين، ويتجاهل خلافاته مؤقتًا لصالح المصلحة العامة.

أخبار ذات علاقة

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو

نتنياهو يحذر من تكرار "7 أكتوبر" إذا استمرت مظاهرات الإضراب

من تل أبيب إلى الحدود

لم تقتصر الاحتجاجات على العاصمة، بل امتدت إلى مناطق شاعر هنيغف، إشكول، سديروت، وأوفاكيم، وحتى قوافل الجرارات التي شقت الطريق 232، الطريق الذي تحوّل إلى ساحة قتل خلال هجوم حماس، ليصبح الاحتجاج رسالة حية عن الصمود والمطالبة بالعدالة.

ومن جانبه، أكد معمر السليمان، الباحث في الشؤون السياسية، أن التحركات الاحتجاجية، مثل تلك التي شهدتها تل أبيب، لا تقتصر على كونها فعلًا رمزيًا يعبر عن الصدمة الوطنية، بل تمتد لتعيد تشكيل العلاقة بين السلطة المركزية والمجتمعات المحلية، خصوصًا في المناطق الحدودية مثل سديروت وأوفاكيم.

وقال "السليمان"، في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، إنه مع اتساع رقعة الاحتجاج من المركز إلى الأطراف، يتولد ضغط مزدوج على الحكومة: من جهة المطالبة الشعبية في المدن الكبرى، ومن جهة أخرى الإحساس بالخذلان في المناطق الحدودية. 

وأوضح أن المجتمع الإسرائيلي يوازن بين الذاكرة الجماعية، والتهديد الأمني، والضغوط الاقتصادية. كما يحافظ الاحتجاج على الذاكرة ويطالب بالمساءلة، بينما الأمن والاقتصاد يفرضان حدودًا على حجم وأثر هذه التحركات.

الإضراب رمز الوحدة والذاكرة

الإضراب الوطني كان تجسيدًا حيًا للوحدة بين الطبقات والمهن المختلفة. كل ساعة على المنصة، كل ممثل عن صناعة أو قطاع مهني، وكل كلمة من عائلات الرهائن كانت تضاعف قوة الرسالة: أن الذاكرة الجماعية ليست مجرد حزن، بل هي تعبير عن رفض الظلم واستنهاض الروح الوطنية.

وفي الساعة 6 مساءً، أقيمت صلاة جماعية في ساحة الرهائن، لتسبق المسيرة الختامية في الثامنة مساءً، فقد سار المتظاهرون مع عائلات الرهائن من محطة قطار تل أبيب-مركز سافيدور، كأن كل خطوة تقول: لن ننسى ولن نسكت.

ونوه "السليمان" إلى أن"الاحتجاجات الرمزية قد تتحول إلى نموذج ضغط مدني إذا استمرت وتم توظيفها في أطر مؤسسية. دون استمرارية، ستظل فعلًا عاطفيًا قصير المدى، لكنها تمتلك القدرة على إعادة تعريف العلاقة بين المواطن والدولة.

في النهاية، لم يكن هذا الاحتجاج مجرد مظاهرة، بل كان مشهدًا شعبيًا وجماهيريًا متكاملًا، يربط الماضي بالحاضر، الألم بالعمل، والشرائط الصفراء بالوعي الوطني. في كل زاوية، كل شارع، وكل تجمع، يُظهر الشعب الإسرائيلي أنه يستطيع أن يحوّل الذكرى المؤلمة إلى قوة جماعية للتغيير والمطالبة بالعدالة.

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC