مع استمرار الدعم الأوروبي لكييف، وتراجع هامش المناورة الدبلوماسية، تتزايد المؤشرات حول ثبات الموقف الغربي، الذي أصبح جزءًا من معادلة استنزاف طويلة.
وبين رهانات الاحتواء ومنطق الردع، يجد الغرب نفسه أمام مسار معقد قد يفرض كلفة سياسية وأمنية متزايدة، في وقت تلوح فيه موسكو بخيارات أشد حدة، ما يجعل الأزمة مرشحة لمزيد من التشابك بدل الاقتراب من الاستقرار.
ويرى الخبراء أن ثبات الموقف الغربي إلى جانب أوكرانيا لا يعني بالضرورة تحقيق الاستقرار، بل قد يسهم في تعقيد الأزمة وإطالة أمدها، في ظل سعي أوروبي لممارسة ضغوط متوازية على روسيا والولايات المتحدة معًا.
ورأى المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية د. سمير أيوب، أنه "لا يمكن الرهان على ثبات الموقف الأوروبي إلى جانب أوكرانيا، مع السعي في الوقت نفسه لمواجهة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، باعتبار أن هذا المسار سيقود إلى الاستقرار أو السلام عبر الضغط على موسكو".
وأشار أيوب، في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، إلى أن "النهج الأوروبي الحالي لا يهدف فقط إلى الضغط على روسيا، بل يسعى أيضًا إلى ممارسة ضغط سياسي على الولايات المتحدة لإعادتها بقوة إلى صف أوكرانيا والدول الأوروبية، إلى جانب محاولة استنزاف موسكو عبر إطالة أمد الحرب وزيادة الأعباء الاقتصادية والعسكرية عليها، بما ينعكس سلبًا على الاقتصاد الروسي ومستوى معيشة المواطن".
وأضاف أن "هذه المقاربة تمثل جوهر السياسة الأوروبية منذ بداية الحرب، غير أن موسكو قد ترد على هذا التعنت بزيادة الضغط العسكري وتوسيع نطاق سيطرتها الميدانية، ما قد يجر أوروبا إلى نتائج لم تحسب حسابها".
ولفت أيوب إلى أن "التهديدات المتعلقة بعزل كالينينغراد ومحاولات محاصرتها عبر بحر البلطيق تشكل استفزازًا بالغ الخطورة، وقد تدفع نحو توسيع العمليات العسكرية".
وحذر من أن "أوروبا تلعب بالنار عبر رهان زمني يقوم على إطالة الصراع بانتظار تحولات في الموقف الأمريكي"، معتبرًا أن "هذه الاستراتيجية قد تنقلب على أوروبا نفسها، وتدفع روسيا إلى ردود أكثر حدة، مع احتمالات توسع الحرب خارج حدود أوكرانيا".
من جانبه، قال الخبير في الشؤون الأوكرانية محمد العروقي، إن "حالة التوتر وانعدام الثقة ما زالت تحكم العلاقات بين الغرب وروسيا، وأن الدول الأوروبية تنظر إلى موسكو باعتبارها مصدر تهديد محتمل، في ظل مخاوف متزايدة من خطوات تصعيدية قد تطال دولًا أوروبية".
وأكد في تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز"، أن "هذه المخاوف تتركز بشكل أساسي على بولندا ودول البلطيق وفنلندا، التي تُعد الأكثر عرضة لأي تصعيد محتمل".
وأضاف عروقي أن "دعم أوكرانيا لم يعد يُنظر إليه كدعم لدولة تخوض حربًا فقط، بل بات يُعتبر خط الدفاع الأول عن الأمن الأوروبي".
ولفت إلى أن "الخبرة القتالية التي اكتسبها الجيش الأوكراني خلال السنوات الماضية جعلته عنصرًا مهمًا في منظومة الردع الغربية"، معتبرًا أن استمرار الدعم الأوروبي لكييف يخدم بالأساس حماية أوروبا نفسها.
وحذر من أن "الضغط العسكري والاقتصادي المتواصل على روسيا قد يدفعها إلى توسيع نطاق ضرباتها، بما قد يتجاوز الأراضي الأوكرانية ليشمل مناطق أخرى في القارة، في وقت يرى فيه الأوروبيون أن خياراتهم محدودة، ولا بديل لديهم عن مواصلة دعم أوكرانيا رغم محدودية هذا الدعم مقارنة بالدعم الأمريكي".