دخلت الأزمة الروسية الأوكرانية مرحلة جديدة تُوصف بـ"الرمادية"، فبينما يتسابق الوقت نحو هدنة محتملة قد تُعلَن الأيام المقبلة، تبرز تساؤلات: هل ستبقى أوكرانيا تحت مظلة عسكرية غربية فعلية؟ ومن سيُدير كييف فعليًا في مرحلة ما بعد الحرب؟
أكد خبيران متخصصان في الشؤون الأوكرانية، أن أوكرانيا دخلت "المرحلة الرمادية" وأصبحت تقف الآن أمام تسوية "روسية أمريكية" في جوهرها.
وأشارا في تصريحات لـ"إرم نيوز"، إلى أن شكل المظلة العسكرية الغربية وطبيعة إدارة كييف بعد الهدنة لا يزالان غامضين ومن المبكر الحديث عنهما.
وأضافا أن نقاط الخلاف الجوهرية تتمحور حول منع انضمام أوكرانيا للناتو وحجم جيشها ومستقبل تسليحها، مع تمسك أوكراني باستقلالية القرار السياسي والعسكري، فيما ستحاول موسكو فرض نفوذ مباشر ما لم تحصل على ضمانات دولية حقيقية.
الخبير العسكري العميد نضال زهوي قال لـ"إرم نيوز"، إن مبادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا تحولت فعليًا إلى صيغة روسية أمريكية لعدة أسباب جوهرية.
وكشف زهوي أن السبب الأول يعود لنجاح التكتيكات الروسية رغم بطئها، إضافة إلى حالة الاستنزاف البشري الكبيرة داخل أوكرانيا وهجرة أعداد واسعة من الشبان نحو أوروبا الغربية، ما جعل احتمال انهيار الدفاعات الأوكرانية في أي لحظة أمرًا واردًا، خاصة مع اتجاه العمليات الروسية نحو تشكيل خط هجوم لاحق باتجاه أوديسا ذات الأهمية الاستراتيجية على البحر الأسود.
وأكد أن سباق التسلح الحالي يضغط بشدة على الاقتصاد الأمريكي الذي لم يعد قادرًا على مجاراة روسيا في مشاريع "حرب النجوم" وفي سباق التسلح في الأعماق، وهو ما دفع أمريكا في النهاية لقبول تسوية تُعد بمرتبة "استسلام" نسبي لأوكرانيا.
ولفت إلى أن العامل الثالث يكمن في الملفات التي تستطيع روسيا توظيفها في التفاوض مع واشنطن، وأبرزها الاعتراف بالدور الروسي الكامل في الشرق الأوسط مقابل تنازلات أوكرانية.
وأشار إلى أن ذلك بدا واضح من خلال تحركات في الجنوب السوري وبعد تصويت موسكو في مجلس الأمن لمصلحة القرار الأمريكي بشأن غزة.
ورأى زهوي أن هذه المعطيات تُظهر صعوبة موقف الأوروبيين من التسوية، خاصة مع حالة الاستنزاف الاقتصادي واعتمادهم شبه الكامل على السلاح الأمريكي، مؤكدًا أنه لا يتصور أن يكون موقف أوروبا سهلاً بعد أن تصبح روسيا على حدودها مباشرة.
وأشار الخبير العسكري إلى أن النتائج المرجحة للتسوية ستكون في مصلحة موسكو عبر تكريس مناطق نفوذ في شرقي أوكرانيا ومنع كييف من الانضمام للناتو، وهي بنود جوهرية بالنسبة لروسيا.
وتابع: "في الوقت نفسه ستحاول أوروبا الحفاظ على ماء الوجه كداعم رئيس لأوكرانيا، مع السعي لضبط العلاقة مع موسكو تدريجيًا دون كسر الاصطفاف مع أمريكا".
وأوضح الخبير العسكري أن روسيا ستكون الرابح الأكبر في مصالحها داخل أوروبا، لذا ستظل الحيازة السياسية الأوسع داخل الاتحاد الأوروبي لمصلحة أمريكا في ظل واقع تقسيم النفوذ بين الغرب الأمريكي والشرق الروسي.
من جانبه، قال الخبير في الشؤون الأوكرانية محمد العروقي لـ"إرم نيوز" إن الأوضاع في أوكرانيا دخلت حاليًا "المرحلة الرمادية"، مشيرًا إلى أن الحديث عن شكل المظلة العسكرية الغربية أو طبيعة إدارة أوكرانيا بعد الهدنة المحتملة لا يزال مبكرًا .
وأكد العروقي أن هناك نقاط خلاف جوهرية في الطروحات التي قدمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، موضحًا أن من أبرزها إعادة النظر في انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، إلى جانب ملفات حساسة تتعلق بحجم الجيش الأوكراني ومستوى تسليحه وطبيعة الدعم الأمريكي والغربي المستقبلي.
ولفت إلى أن المرحلة المقبلة ستكون صعبة للغاية بالنسبة لاستمرارية الدعم الغربي لكييف بعد انتهاء الحرب، مؤكداً أن الجانب الأوكراني لا يزال متمسكًا باستقلالية قراره السياسي والعسكري بشكل كامل.
وأشار العروقي إلى أن غياب الحياد الدبلوماسي الحقيقي وضعف دور الوسطاء الدوليين قد يعرقلان الوصول إلى اتفاق نهائي قابل للتنفيذ، محذراً من أنه من دون ضمانات فعلية لاستقلالية القرار الأوكراني فإن موسكو ستسعى جاهدة لفرض رؤيتها عبر التحكم في القرار الأوكراني اقتصاديًا وسياسيًا وأيضا عسكريًا.
وأكد العروقي أن التطورات الميدانية والدبلوماسية تمهد لمرحلة بالغة الحساسية، مرجحًا أن تتضح الصورة بشكل أكبر بعد اللقاء المرتقب بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.