بعد عقود من العداء والصدام غير المباشر، تشهد العلاقة بين إيران وحركة طالبان تحولًا لافتًا، انتقلت فيه من الخصومة المفتوحة إلى التعاون الحذر.
هذا التحول لم يأتِ نتيجة تقارب أيديولوجي، بل يعكس قراءة إيرانية براغماتية للواقع الأفغاني الجديد بعد انهيار الحكومة السابقة في كابول عام 2021 وصعود "إمارة أفغانستان الإسلامية" مجددًا إلى السلطة، وفق صحيفة "يوراسيان تايمز".
خلال الأسبوع الماضي، استضافت طهران اجتماعًا إقليميًا حول أفغانستان بمشاركة دول الجوار، بينها باكستان والصين وروسيا ودول آسيا الوسطى، في غياب الحكومة الأفغانية نفسها.
ورغم هذا الغياب، شددت إيران في بياناتها الرسمية على أن استقرار أفغانستان يمثل ضرورة للأمن الإقليمي، في إشارة واضحة إلى موقف داعم لاستمرار الوضع القائم في كابول.
في تسعينيات القرن الماضي، كانت إيران من أبرز الداعمين للتحالف الشمالي في مواجهة طالبان، ووقفت إلى جانب حكومة المجاهدين بقيادة برهان الدين رباني وأحمد شاه مسعود.
كما توترت العلاقات بشدة بعد مقتل دبلوماسيين إيرانيين على يد طالبان، ما دفع البلدين إلى حافة مواجهة عسكرية.
لكن الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001 غيّر المعادلات؛ فرغم العداء بين طهران وواشنطن، تعاونت إيران مع النظام الأفغاني المدعوم أمريكيًا، قبل أن تبدأ تدريجيًا، ومع تدهور علاقاتها مع الولايات المتحدة بعد غزو العراق، في فتح قنوات اتصال مع طالبان نفسها.
وبحلول السنوات التي سبقت الانسحاب الأمريكي، أصبحت طهران تستضيف وفودًا من الحركة وتتعامل معها كفاعل سياسي لا يمكن تجاهله.
السبب الأهم وراء التقارب الإيراني-الطالباني يتمثل في الهواجس الأمنية، وعلى رأسها خطر تنظيم داعش في ولاية خراسان؛ فطهران تنظر إلى وجود التنظيم على حدودها الشرقية كتهديد مباشر لأمنها القومي.
وقد رأت في نجاح طالبان في تقليص نشاط داعش داخل أفغانستان عاملًا مطمئنًا، خاصة مع تراجع الهجمات الكبرى خلال العامين الماضيين وفق تقارير أممية.
إلى جانب ذلك، تشكل قضية اللاجئين الأفغان ضغطًا متزايدًا على إيران. فطهران تستضيف ملايين الأفغان منذ عقود، ومع أزمتها الاقتصادية والعقوبات، باتت تخشى موجات نزوح جديدة في حال انفجر الوضع الأمني داخل أفغانستان.
ولهذا، ترى إيران أن دعم الاستقرار هناك وسيلة للحد من الهجرة غير النظامية وتخفيف العبء الداخلي.
اقتصاديًا، تحولت أفغانستان إلى سوق حيوية لإيران في ظل العقوبات الغربية المفروضة عليها؛ فقد بلغت صادرات إيران إلى أفغانستان أكثر من 3 مليارات دولار في عام 2024، وتشمل الوقود والسلع الأساسية.
ويمنح ضعف الاقتصاد الأفغاني طهران فرصة لتوسيع نفوذها التجاري، وهو ما قد يتعرض للخطر في حال عادت الفوضى.
أما ملف المياه، فيبقى أحد أكثر القضايا حساسية، خاصة في ظل معاناة إيران من الجفاف. ورغم الخلافات المتكررة، تؤكد طالبان التزامها بالاتفاقيات المائية، وهو ما تعتبره طهران أفضل من سيناريو الفوضى وغياب سلطة مركزية يمكن التفاهم معها.
في المحصلة، لا تنطلق السياسة الإيرانية تجاه طالبان من انسجام عقائدي، بل من حسابات أمنية واقتصادية دقيقة؛ فبالنسبة لطهران، يمثل دعم الاستقرار في أفغانستان خيارًا واقعيًا لتقليل المخاطر الإقليمية وحماية مصالحها، في منطقة لا تحتمل مزيدًا من الفوضى.