يعود رئيس الوزراء المالي الأسبق، أوسمان إيسوفي مايغا، إلى صدارة المشهد السياسي في بلاده، بعد تكليفه بمهمة "محورية" ترتبط بالسلام.
وجرى تكليف مايغا من قبل رئيس المرحلة الانتقالية، العقيد أسيمي غويتا، بمهمة محورية تتمثّل في إعداد "الميثاق الوطني للسلام والمصالحة"، الوثيقة التي ستحل محل اتفاق الجزائر، الذي تم التخلي عنه رسميًا مطلع عام 2024.
ووفق تقرير موسّع نشرته مجلة "جون أفريك" الفرنسية، فإن "مايغا، البالغ من العمر 79 عامًا، اضطلع بدور رئيس في تحويل توصيات الحوار الوطني الشامل إلى نص تأسيسي جديد، يهدف إلى إرساء أسس السلام والاستقرار والوحدة الوطنية في مالي، مع إعادة بناء العقد الاجتماعي الذي يربط بين الدولة والمجتمع".
وينتمي أوسمان إيسوفي مايغا إلى أسرة نبيلة في مدينة بنتيا، الواقعة على ضفاف نهر النيجر قرب الحدود النيجرية، وقد طبعته نشأته في هذه المنطقة المتميزة بثراء تاريخها وانتمائها إلى إمبراطورية الصنغاي السابقة.
يتحدث مايغا، بطلاقة، خمس لغات، هي: البامبارا، الصنغاي، الفرنسية، الإنجليزية، والروسية، بفضل مسيرة أكاديمية متميزة امتدت من غاو وباماكو إلى كييف وواشنطن، حيث حصل على درجات علمية في الاقتصاد، بما في ذلك تخصص في الاقتصاد التنموي من الجامعة الأمريكية.
وعُرف مايغا في الأوساط السياسية بلقب "بينوشيه" – وهو لقب يُنسب إلى صرامته الإدارية والانضباط الذي يفرضه على محيطه – وقد شغل مناصب وزارية متعددة منذ تسعينيات القرن الماضي، أبرزها وزارة المالية ووزارة النقل، وأخيرًا رئاسة الحكومة بين عامي 2004 و2007 في عهد الرئيس الراحل أمادو توماني توري.
ورغم انخراطه الطويل في أجهزة الدولة، فإن مايغا لم ينتسب يومًا إلى أي حزب سياسي، ولم يسعَ إلى أي منصب انتخابي، مفضّلًا البقاء في موقع "الوظيفة العمومية المحايدة"، كما وصفها في حوارات سابقة.
وفي السنوات الأخيرة، برز اسمه في مهام وساطة رفيعة المستوى، منها قيادته خلية الأزمة التي فاوضت على إطلاق سراح زعيم المعارضة الراحل سومايلا سيسي عام 2020، وكذلك تدخّله في ديسمبر/كانون الأول 2024 للإفراج عن 11 شخصية سياسية كانت موقوفة.
وقد مثّلت عودته إلى العمل السياسي الرسمي عام 2024، من خلال رئاسته لجنة تنظيم الحوار الوطني، ثم لجنة إعداد الميثاق الجديد، مؤشرًا على مدى الثقة التي يحظى بها من قبل السلطة الانتقالية، وعلى مكانته كأحد القلائل الذين يجمعون بين الخبرة، والكفاءة، والنزاهة في المشهد المالي.
ويُنظر إلى مايغا اليوم كأحد أعمدة الدولة في مرحلة مفصلية، إذ تسعى مالي لتجاوز سنوات من الصراعات والتقلبات، والتمهيد لسلام دائم يراعي التنوع الثقافي والسياسي، ويعيد بناء مؤسسات الدولة على أسس صلبة.