في مواجهة التوسع العسكري الصيني المتسارع، تعتمد تايوان اليوم على نهج دفاعي جديد يقوم على الدمج بين التقنيات الذكية والقدرات العسكرية التقليدية، في محاولة لردم فجوة القوة الهائلة بينها وبين بكين.
فبينما يمتلك جيش التحرير الشعبي الصيني ترسانة ضخمة من الصواريخ والطائرات والسفن، تسعى تايبيه إلى بناء ما يشبه "قبة ذكية" للدفاع عن الجزيرة مستندة إلى الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيّرة والأنظمة الذاتية، بحسب صحيفة "أوراسيا ريفيو".
وقد تحوّل هذا النهج من مجرد فكرة نظرية إلى خيار استراتيجي، مع تصاعد التوقعات بقيام الصين بخطوة عسكرية في السنوات القليلة المقبلة.
كما تنظر بكين إلى تايوان باعتبارها إقليمًا متمردًا، فيما ترى الجزيرة نفسها جزءًا من النظام الديمقراطي الدولي، وتحظى بدعم أمريكي متزايد يثير غضب القيادة الصينية.
سباق جديد في الحرب غير المتكافئة
تعرف تايبيه أنها لا تستطيع بناء جيش موازٍ للصين من حيث العدد والعتاد، لذا اتجهت إلى مفهوم الردع الذكي، تشمل ترسانة صغيرة لكن قادرة على إلحاق خسائر عالية بالخصم في مرحلة مبكرة من الصراع، لرفع كلفة الحرب على بكين.
ومن أبرز أدوات هذه المقاربة، أسطول ضخم من الطائرات المسيّرة لمهام الاستطلاع والهجمات الدقيقة، وأنظمة ذكاء اصطناعي لمعالجة كمّ هائل من الإشارات وتحركات القوات الصينية لحظيًا، وتسليح ساحلي صاروخي متنقل يعتمد على التخفي والمرونة، ومسيّرات انتحارية بحرية تستهدف السفن المُقتربة من السواحل، وشبكة إنذار مبكر قادرة على الصمود أمام الهجوم الإلكتروني.
هذه "الشبكة القتالية" ليست مصممة للسيطرة على المعركة، بل لمنع الصين من تحقيق نصر سريع وحاسم، وهو ما سيتيح وقتًا أطول لوصول الدعم الدولي.
دعم أمريكي لتعزيز التكنولوجيا الدفاعية
واشنطن تُعدّ الداعم الأكبر لهذا التحول، فقد دفعت إدارة الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة نحو تسريع تزويد تايوان بالأسلحة "غير المتماثلة"، وتوسيع التعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي والحرب السيبرانية.
كما باتت شركات أمريكية متخصصة في الدفاع الذكي، إلى جانب شركات تايوانية محلية، جزءًا من خطة تسلح واسعة تشمل إنتاج ذخائر محلية الصنع، وزيادة جاهزية الجيش للتعامل مع سيناريوهات الإنزال البحري الصيني.
ويرى محللون في ذلك محاولة لتحويل تايوان إلى "قلعة تكنولوجية" قادرة على تعطيل القوات الصينية، حتى في حال نجاحها في اختراق الدفاعات الأولى.
لكن المعضلة الكبرى تكمن في أن الصين بدورها تستثمر بكثافة في الذكاء الاصطناعي العسكري. بكين تطور أسراب مسيّرات هجومية ذاتية الحركة، وصواريخ مبرمجة على مواجهة أنظمة التشويش، وتقنيات حرب إلكترونية لتعطيل الدفاعات الذكية لدى الخصم.
وهو ما يعني أن أي صدام محتمل سيكون اختبارًا مباشرًا لمن يملك التفوق في عالم الأسلحة ذات القرار اللحظي.
تدرك القيادة التايوانية أن السؤال الأكثر إلحاحًا هو هل تصمد الجزيرة أمام الضربة الصينية الأولى؟، فالذكاء الاصطناعي، مهما بلغت قوته، يحتاج إلى شبكة اتصالات قوية وبنية إلكترونية صامدة.
وتستطيع الصين استهداف الأقمار الصناعية التي تعتمد عليها تايوان في الاتصالات، ومراكز القيادة والسيطرة، والبنى التحتية للطاقة والإنترنت.
ومع ذلك، يراهن صانعو القرار في تايبيه على عنصر المباغتة والتشتت، وكذلك أنظمة صغيرة كثيرة ومرنة، لا يمكن تدميرها بضربة واحدة، ولا يمكن التنبؤ بمواقعها أو أنماط تشغيلها.
الذكاء الاصطناعي رادع أم مسرّع للصدام؟
رغم الأمل الذي تحمله هذه المقاربة الدفاعية، فإنها تفتح الباب أيضًا أمام سباق تسلح أكثر عدوانية.
فكل طرف يسعى اليوم لامتلاك خوارزميات أسرع وقرارات أكثر استقلالية في ميدان المعركة، ما قد يضع مصير الحرب والسلم بيد أنظمة آلية تتعلم وتتصرّف دون انتظار الأوامر.
وفي ظل هذا التطور المحموم، تبقى الحقيقة الأهم؛ الذكاء الاصطناعي قد يمنح تايوان فرصة للنجاة، لكنه لا يضمن تجنب الحرب، وإذا فشل الردع فستكون "القبة التايوانية" أول اختبار في أكبر مواجهة جيوسياسية في القرن الحادي والعشرين.