يبقى استشراف مستقبل السياسة في المملكة المتحدة عملاً محفوفًا بالمخاطر، وغالبًا ما يضع المعلّقين السياسيين في مرمى الخطأ.
وحتى رئيس الوزراء البريطاني نفسه لم يُفوّت في مناسبات سابقة فرصة التندر على توقعات لم تصب، وفي مقدمتها تلك التي جرى الترويج لها بثقة حول برلمان معلّق لم يرَ النور.
ومع هذا التحفّظ الضروري، يقدّم جون رينتول، كبير المعلّقين السياسيين في صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، 8 تصوّرات لما قد يحمله عام 2026 للمشهد السياسي البريطاني، مع وعي كامل بأن هذه التوقعات، بحكم طبيعتها، قد تتحقق كما قد تخيب.
ومن المرجح أن يستهلّ حزب العمال البريطاني عام 2026 وهو يرزح تحت ضغط سياسي متصاعد، في أعقاب نتائج مخيبة للآمال في الانتخابات المحلية التي أُجريت في إنجلترا واسكتلندا وويلز خلال شهر مايو/أيار.
ومن شأن هذه النتائج أن تُفاقم القلق داخل صفوف الحزب، وتغذّي موجة واسعة من التكهنات الإعلامية حول مستقبل كير ستارمر، زعيم حزب العمال ورئيس الوزراء البريطاني.
غير أن ردّ الفعل داخل الحزب قد يبقى مرتبكًا وغير حاسم، إذ من المتوقع أن تُربك بعض المكاسب الإيجابية غير المتوقعة لحزب العمال المشهد العام، بما يحدّ من التهديد الفوري لموقع ستارمر في قيادة الحزب والحكومة.
ما إن يبدو ستارمر وقد تجاوز عاصفة الانتقادات، وتتصدّر الصحافة تحليلات إيجابية تشيد بأدائه في إدارة العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، حتى قد تُعيد سلسلة من الأخطاء السياسية غير الضرورية فتح ملف القيادة من جديد داخل حزب العمال.
وفي هذا السياق، يُتوقع أن تُعلن أنجيلا راينر، نائبة زعيم حزب العمال، دخولها سباق الزعامة بدعم يتجاوز مئة نائب من الحزب.
وحتى في حال حقق منتخب إنجلترا نجاحًا لافتًا في كأس العالم لكرة القدم صيف 2026، فلن يكون ذلك كافيًا لتخفيف حدة الضغوط المتصاعدة على ستارمر. وقد يكشف خطاب استقالته، إن وقع، عن جانب إنساني مرح لم يعتده الجمهور، ما قد يثير قدرًا من التعاطف الشعبي تجاهه.
وعلى الرغم من التصريحات المثيرة للجدل التي قد يُطلقها زاك بولانسكي، زعيم حزب الخضر في إنجلترا وويلز، لا يُتوقع أن يشهد الحزب تراجعًا في زخمه السياسي.
فآراؤه المتعلقة بالدَّين الوطني ستواجه انتقادات واسعة، غير أن التجربة السياسية تشير إلى أن مثل هذه الهفوات لا تُفضي بالضرورة إلى تآكل شعبية الحزب.
ويرتبط تنامي حضور حزب الخضر، في جوهره، بحالة الإحباط المتزايدة لدى شريحة من الناخبين اليساريين الذين ابتعدوا عن حزب العمال، أكثر مما يرتبط بأداء القيادة أو شخص الزعيم نفسه.
قد تشهد اسكتلندا واحدة من أبرز مفاجآت عام 2026، مع تسجيل حزب العمال أداءً أقوى من المتوقع في انتخابات البرلمان الاسكتلندي، مقابل تراجع ملحوظ للحزب الوطني الاسكتلندي (SNP) عن بلوغ الأغلبية.
وفي ظل عجز حزب الخضر الاسكتلندي عن توفير الدعم الكافي للحزب الوطني، قد يُقدم أنس سروار، زعيم حزب العمال الاسكتلندي، على تشكيل حكومة أقلية، مستندًا إلى تصويت تكتيكي من المحافظين والديمقراطيين الأحرار وحزب الإصلاح، بهدف منع عودة الحزب الوطني إلى السلطة.
وفي ويلز، يُتوقع أن يخرج حزب بلايد كامري القومي منتصرًا في انتخابات البرلمان الويلزي (السينيد)، ما يفتح الطريق أمام زعيمه رون أب إيورورث لتولي منصب رئيس الحكومة الويلزية.
ومن المرجح أن يُشكّل إيورورث حكومة بدعم من حزب العمال والديمقراطيين الأحرار ضمن تحالف يهدف إلى إقصاء حزب الإصلاح البريطاني.
ومع ذلك، يُتوقع أن يحقق حزب الإصلاح مكاسب لافتة، مدفوعًا بتطبيق نظام التمثيل النسبي الجديد، ليغدو حزب المعارضة الرسمي في البرلمان الويلزي.
وفي مجلس العموم البريطاني، يُتوقع أن يُضاعف حزب الإصلاح البريطاني عدد نوابه من 5 إلى 10، مستفيدًا من استمرار حالة الضعف داخل حزب المحافظين وتعثر مساعي زعيمته كيمي بادينوك لإعادة توحيد صفوف الحزب.
كما يُرجّح أن يشهد العام مزيدًا من الانشقاقات البرلمانية، إلى جانب احتمال تعليق عضوية نائب واحد على الأقل قبل نهاية العام، في مشهد يعكس استمرار الاضطراب داخل الحياة السياسية البريطانية.
على الرغم من مساعي إد ديفي، زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار، لتسويق حزبه بوصفه خيارًا احتجاجيًا تقدميًا، لا يزال الحزب يعاني من محدودية الحضور الإعلامي وضعف القاعدة الشعبية، إلى جانب ثقل الإرث السلبي لمشاركته السابقة في حكومة ائتلافية مع حزب المحافظين.
ومع ذلك، فإن نسبة تأييد تُقدَّر بنحو 12% قد تُمكّن الحزب من الحفاظ على عدد مقاعده الحالي وربما زيادته بشكل طفيف، ما قد يضعه في موقع مؤثر في حال تشكّل برلمان معلّق جديد.
وأخيرًا، يُرجَّح أن يشهد عام 2026 اندلاع فضيحة سياسية كبرى ترتبط بتكنولوجيا لم تكن موجودة أو ذات تأثير يُذكر قبل عام 2010، وقد تجمع بين سياسي بريطاني، وسيارة ذاتية القيادة، والذكاء الاصطناعي (تشات جي بي تي)، ودواء أوزيمبيك.
ومن شأن تداعيات هذه الفضيحة أن تُفضي إلى تعديل وزاري واسع النطاق، تتخلله حالة من الارتباك السياسي مع رفض بعض الوزراء مغادرة مناصبهم، في مشهد قد يُطلق عليه الإعلام لاحقًا تسمية ساخرة، مثل: "ليلة السكاكين الخاطئة".
ومع اقتراب نهاية العام، سيجد الصحافيون والمعلّقون السياسيون في بريطانيا أنفسهم مجددًا أمام مراجعة توقعاتهم، متسائلين، كما في كل مرة، كيف أخفقت كل تلك التقديرات الواثقة في التقاط مسار الأحداث بدقة.
وهذا التساؤل يعكس، كما يخلص مقال "الإندبندنت"، طبيعة السياسة البريطانية المتقلبة، وحدود القدرة على التنبؤ بمسارها مهما بدت التحليلات راسخة وواثقة.
