رغم التوقعات بدخول العلاقات الأمريكية الصينية "مرحلة هدنة ثنائية" تشمل الجانبين الاقتصادي والسياسي، التي يؤكد المراقبون أن جزيرة تايوان ستكون عنصرًا أساسيًّا فيها، تشير التقارير الواردة من تايبيه إلى وجود تعبئة عسكرية و"حالة طوارئ" تايوانية، تُعزى إلى الخشية من "التنين الصيني" وحاملة طائراته "فوجيان".
ووفق المراقبين والمتابعين للمشهد التايواني، فإنّ تايبيه قامت خلال الأشهر القليلة الأخيرة بتصعيد عسكري لافت، من شأنه أن يثير حفيظة بكين، التي ترفض رفضًا باتًّا استقلالها عنها.
وتتيح القراءة الدقيقة والمتابعة اللصيقة للمشهد التايواني، رصد الخطوات التصعيدية التايوانية التي تتلخص في بضع نقاط، أبرزها التدريبات والمناورات العسكرية التي تحاكي سيناريوهات الحرب ضدّ بكين، والتعاون العسكري والتكنولوجي اللافت بين إسرائيل وتايوان، وهو تعاون يُنظر إليه إقليميًّا ودوليًّا ليس فقط كتسويق للتجربة الدفاعية الإسرائيلية، وإنما كتحالف إسرائيلي أمريكي تايواني في مواجهة الصّين.
ووفق مصادر عسكرية، فإنّ التدريبات والمناورات التايوانية الأخيرة التي تُعتبر أطولَ المناورات العسكرية التي يجريها الجيش سنويًّا (10 أيام كاملة)، حاكت "تكتيكات المنطقة الرمادية" في البر الرئيسي الصيني، إذ إنها تعكس سيناريو صراع واقعي وطويل الأمد عبر "مضيق تايوان".
وحسب الجهات ذاتها، فإنّ الاستثناء في هذه المناورات لم يشمل البعد الزمني فحسب، بل شمل أيضًا عدد القوات المشاركة التي بلغت أكثر من 22 ألف جنديّ من جنود الاحتياط، وهو أكبر عدد يجري استدعاؤه في تاريخ المناورات السنوية التي تقام دوريًّا منذ 1984، والأهم من كل ما سبق إدخال الصواريخ والدبابات الأمريكيّة في "الخدمة الحربية".
وتمّ استخدام أنظمة الصواريخ المتعددة من طراز "هايمارس" التي تسلمتها تايوان من واشنطن، فضلًا عن مشاركة دبابات "إم1 أيه2 أبرامز" أمريكية الصنع، وهي منظومة تسليح تعتبر بكين في "خطابها السياسي التلازمي" أنها تصب الزيت في النار ولا تخدم مسارات التسوية والتفاوض في المنطقة.
التصعيد التايواني، وفق وصف الخبراء والمتابعين، شمل أيضًا تعاونًا عسكريًّا ورقميًّا ولوجستيًّا متقدمًا جدًّا مع إسرائيل في مجالات دفاعية خطيرة وإستراتيجية وحيوية بالنسبة لبكين.
وتشير المصادر الإعلامية التايوانية إلى أنّ الرئيس "لاي تشين غدي" أرسل خلال الأسابيع الأخيرة مبعوثًا سريًّا برتبة نائب وزير إلى تل أبيب، لدعم التعاون العسكري الثنائي، ونقل التكنولوجيا الإسرائيلية المتقدمة في مجال الدفاع الصاروخي.
ووفق الجهات ذاتها القريبة من دوائر اتخاذ القرار في تايوان، فإنّ منظومة الدفاع الصاروخي الجديدة تشمل صاروخ" تشيانغ كونغ" أرض جو، إلى جانب رادار "المصفوفة الممسوحة إلكترونيًّا "AESA" والتّي كُشفت مؤخرًا في معرض "تايبيه" للدفاع والتكنولوجيا الجوية.
وتتقاطع هذه المعطيات الجديدة مع تصريحات الرئيس "لاي" الذي أعلن في وقت سابق عن تطوير نظام دفاعي متعدد الطبقات تحت اسم "تي دوم T-DOME" وهو تقريبًا منظومة القبة الحديدة الصاروخية الإسرائيلية ذاتها ولكن بتسمية مغايرة فقط.
وتضيف هذه الجهات أنّ تايبيه تسعى إلى دمج منظومة "تشيانغ كونغ" ضمن بنيتها الدفاعية إلى جانب بطاريات "باتريوت" مع بعض النماذج القديمة من منظومة "تيين كونغ"، ليبلغ مدى الصاروخ الاعتراضي الجديد أكثر من 70 كيلومترًا، وقد أجريت له اختبارات ناجحة في الربيع المنصرم.
كما تخطط وزارة الدفاع التايوانية لإنتاج نسخة مطورة بعنوان "تشيانغ كونغ2" بمدى يصل إلى 100 كيلومتر، وتكشف الجهات العسكرية التايوانية أن تايبيه طلبت بالفعل تصنيع 122 بطارية من هذا النظام الجديد من المعهد الوطني "تشونغشان" للعلوم والتكنولوجيا.
وتتقاطع كافة المصادر على أنّ جهدًا حثيثًا وكبيرًا تايوانيًّا مبذولًا للانتها من هذه المنظومة ولإدخالها الخدمة فعليا في سنة 2026.
في هذا السياق، تشير التقديرات التايوانية إلى وجود اقتناع راسخ ودفين لدى القيادات التايوانية بحقيقة المخطط الصيني لاحتلال تايوان في 2027، وهو ما أشارت إليه تسريبات استخباراتية أمريكية رسمية.
ويتحدث الخبراء والمتابعون للشأن التايواني أنّ التصعيد التايواني يذهب في أحسن الحالات إلى تقويض فرضية الحرب من خلال بيان جدوى وجدية الاستعدادات والتحضيرات، وفي أسوأ الحالات التقليل من الخسائر في حال نشوبها وإلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف الجيش الصيني واستنزاف قواه في حرب طويلة الأمد.
وكشف التقرير السري الذي يعود للاستخبارات العسكرية الأمريكية عن استعداد صيني رسمي ومحموم لغزو تايوان في 2027 وإلحاقها من خلال القوة العسكرية إلى السيادة الصينية.
ويشير التقرير – الذي لم تؤكده مصادر مستقلة ولكنه في المقابل أُخذ مأخذ الجد في تايبيه، إلى أنّ الصين تعمل على تعزيز سريع لأسطول العبّارات التجارية، وأنّ السفن الكبيرة العابرة للمحيطات خضعت لتعديلات فنية تمكنها من حمل الدبابات والمشاركة في عمليات إنزال برمائية.
ويقدّم التقرير معلومات حصرية ومهمة للغاية من بينها أنّ 30 عبّارة تجارية صينية رُصدت في 2022 خلال تدريبات عسكرية شارك فيها جنود من الجيش الصيني، وأنّ الأخير يخطط لإنشاء 70 عبّارة أخرى بحلول نهاية 2026.
ولئن كان من المتعذر الحكم على مدى دقة وصحة المعلومات المهمة الواردة في هذا التقرير من عدمها أيضا، إلا أنّ المؤكد أنّ الصين انخرطت خلال الأسابيع القليلة الماضية في تصعيد عسكري مباشر، له الكثير من الدلالات السياسية والجيواستراتيجية.
وتتمثل آخر حلقات التصعيد الصيني في الكشف عن حاملة الطائرات "فوجيان"، التي يؤكد الخبراء العسكريون أنّه في حال ما صدقت الأنباء والرواية الصينية عنها، فإنّها ستكون كاسرة للتوازنات الإستراتيجية في المنطقة، وستجعل بكين صاحبة القول الفصل في المشهد ككلّ.
ويعتبر هؤلاء الخبراء العسكريون أنّ حاملة الطائرات "فوجيان" تمثل طفرة نوعية في قدرات الجيش الصيني واصفين إياها بـ"التنين الصيني"، إذ إنها تمثل إنجازا تقنيا كبيرا في مسيرة تطوير البحرية الصينية، كونها ثالث حاملة طائرات صينية وأكبر حاملة تعمل بالوقود التقليدي.
وتتميز "فوجيان" ببضع مواصفات أهمها، أنها وعلى عكس الحاملتين السابقتين "لياونينغ" و"شاندونغ"، تصميمها صيني بنسبة كاملة، كما أنّها تتمتع بنظام الإطلاق الكهرومغناطيسي الذي يوفر قدرة أعلى على إطلاق الطائرات بكفاءة وسرعة، وبالتالي فهي تنافس بشكل مباشر نظام الإطلاق المستخدم في أحدث حاملات الطائرات الأمريكية مثل "يو إس إس جيرالد فورد".
كما يبلغ طولها 316 مترا، وعرضها 75 مترا، مع "إزاحة" تبلغ 85 ألف طن، مما يجعلها واحدة من أكبر حاملات الطائرات في العالم، متفوقة بأشواط بعيدة عن فخر الصناعات الدفاعية البحرية الفرنسية "حاملة شارل ديغول" سواء من حيث الحجم أو الحمولة. ويمكن لـ"فوجيان" حمل ما يصل إلى 64 مقاتلة لمدة 45 يوما باستقلالية تامة، وهو ما يعزز الوجود العسكري البحري الصيني.
ووفق البحرية الصينية، فإنّ فوجيان عبرت مؤخرا مضيق تايوان لإجراء اختبارات بحثية علمية، ولتنفيذ تدريبات في بحر الصين الجنوبي.
ويربط متابعون هذا المرور لـ"فوجيان"، بالمستجدات العسكرية في تايوان، وبالحضور الأمريكي سواء منه السياسي أو العسكريّ في المنطقة، وبالمستجدات السياسية في اليابان حيث صعّدت طوكيو من خطابها المندد بالدور الصيني في تايوان.
ويعتبر المتابعون أنّ لهذا المرور دلالات سياسية واقتصادية، أمّا الدلالات السياسية فهي عبارة عن رسالة مضمونة الوصول لواشنطن ولطوكيو وتايبيت بأنّ الصين باتت تمتلك القدرة على توسيع نطاق تأثيرها البحري في بحر الصين الجنوبي ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وفيما يخص الاقتصادية يمكن إجمالها في معطى أنّ السيطرة على مضيق تايوان وطرق الملاحة في بحر الصين الجنوبي تعني تعزيز قدرة الصين على حماية خطوط التجارة البحرية الدولية، وهو ما يمنحها ميزة استراتيجية في التأثير على الاقتصاديات الإقليمية والدولية.
وفي المحصلة فإنّ وجود "فوجيان" ومرورها بمضيق تايوان أمام أنظار كافة القوى الإقليمية والدولية هو إشارة إلى أنّ الصين صارت قوة بحرية عالمية قادرة على حماية مصالحها الحيوية.
بُعد السيطرة الصينية على المجال البحري، يتجذّر بشكل واضح وجلي مع إرسال بكين لمجموعة من القاذفات الاستراتيجية من طراز (H-6K) قُرب تايوان، قبل أيام قليلة من الاجتماع المرتقب بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ونظيره الصيني شي جين بينغ.
وحسبما ذكر التقرير الصيني، فقد "توجهت عدة قاذفات من طراز H-6K إلى المياه والمجال الجوي المحيط بتايوان لإجراء تدريبات محاكاة على المواجهة"، وأضاف أن "عدة مقاتلات J-10 حلقت في تشكيلات قتالية" في مجال جوي غير محدد، وقاذفات H-6K قادرة على حمل أسلحة نووية.
وفي المحصلة، فإنّ الأنظار تتجه إلى اللقاء المرتقب بين ترامب وبينغ، وإلى الملفات المعروضة والمسائل المتطرق إليها، التي على رأسها حرب الرسوم التجارية، والحرب الباردة في تايوان، ومن يدري قد تفتح أبواب التجارة المجال أمام التفاهمات السياسية الإقليمية منها والدولية، وهو بالضبط ما تنتظره المنطقة وتتطلع إليه شعوبها، بعد عقود من الصراعات المتلاحقة والنزاعات المتتالية.