الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"

logo
العالم

متهمة بقلب موازين القوى.. هل "سممت" أيادٍ خفية علاقة واشنطن مع نيودلهي؟

مودي وترامبالمصدر: منصة إكس

نجحت رواية حبكت خيوطها في البيت الأبيض مؤخرا، بتحويل التركيز من الصين أكبر شريك تجاري لروسيا وأكبر مشترٍ لنفطها إلى الهند، الأمر الذي يشي بقدرة شخصيات خفية وجهت تصورات عامة عبر رسائل إعلامية، حتى لو كانت انتقائية ومتحيزة.

فبعد ما يزيد عن ثلاث سنوات من الصراع، بدأت رواية جديدة تتبلور في الولايات المتحدة، تلقي جزءًا كبيرًا من المسؤولية على الهند، وتتهم نيودلهي بدعم حرب بوتين عبر تجارة النفط مع موسكو.

أخبار ذات علاقة

رئيس الوزراء الهندي والرئيس الفرنسي

مكالمة تتجاوز أوكرانيا.. مودي وماكرون يعيدان تعريف "التحالف الهندي الفرنسي"

ووفق هذه السردية، فإن تجارة النفط الهندية تمول حرب روسيا في أوكرانيا، وتسمح لموسكو بالاستمرار اقتصاديا وعسكريا رغم العقوبات الغربية. 

من طبخ الرسوم الجمركية على الهند؟

زعم مستشار البيت الأبيض للتجارة بيتر نافارو الذي أطلق عليه حليف ترامب السابق إيلون ماسك لقب "الأحمق"، أن "الطريق إلى السلام في أوكرانيا يمر عبر نيودلهي"، وبرر فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 25% على الهند، لترتفع مع الرسوم السابقة إلى 50%، لتصبح الهند، إلى جانب البرازيل وليسوتو، من بين الدول الأعلى تعريفة جمركية في الولايات المتحدة.

وزعم نافارو، أن مشتريات الهند من النفط الروسي بأسعار مخفضة "تغذي آلة الحرب الروسية"، مما يجبر دافعي الضرائب الأمريكيين على تمويل الصراع.

وعندما كان صديق الأمس إيلون ماسك في البيت الأبيض، هاجم الملياردير الأمريكي كبير مستشاري ترامب التجاريين بيتر نافارو، في ظل خلاف متزايد بشأن سياسة الرسوم الجمركية التي هزت العالم.

وفي منشور سابق له على منصة "إكس"، إبان عمله بالبيت الأبيض قال ماسك الذي سبق أن أعلن رفضه لسياسة الرسوم الجمركية التي يعتبر نافارو كبير مهندسيها، إن المستشار الرئاسي "أحمق وأكثر غباء من كيس من الطوب"، على حد تعبيره. 

حشر الحلفاء بالزاوية

استراتيجية "حشر الحلفاء بالزاوية" لانتزاع أكبر قدر من التنازلات منهم، وفق مراقبين، عصفت بالأمن القومي الأمريكي، فقد طبق ترامب نهجه هذا مع حلفائه الأوروبيين بشأن الملف الأوكراني، ليبدو الأمر وكأنه يعاقب حلفاء الولايات المتحدة ويغض الطرف عن حلفائه التقليديين كالصين وروسيا. 

في تفنيدها لهذه المزاعم والاتهامات، أكدت تقارير صحفية أن الرسوم الجمركية على الهند تجاهلت واقعا استراتيجيا مهما، وهو أن أكثر من 50% من المعدات العسكرية الهندية روسية المنشأ، بما في ذلك طائرات "سو-30 إم كي آي" وصاروخ كروز "براهموس" والدبابات والمروحيات والغواصات. 

وتشير صحيفة "يوراسيان تايمز" إلى أنه "إذا كانت هناك دولة حققت أكبر مكاسب من حرب أوكرانيا، فهي الولايات المتحدة، حيث حجزت شركات الدفاع الأمريكية وحدها أكثر من 60 مليار دولار من الطلبات الجديدة بين 2022 و2024، مع زيادة مبيعات صواريخ جافلين وهيمارس، وتأخرات أنظمة باتريوت، وارتفاع عائدات الذخائر من نورثروب جرومان بنسبة 30%". 

وبحسب التقارير فإن الهند ليست أكبر شريك تجاري لروسيا ولا يمثل شراء النفط من موسكو تهديدًا كبيرًا لجهود الحرب الروسية. 

لكن الرسوم الجمركية الأمريكية والتصريحات الانتقائية، بدلًا من الضغط على موسكو، نفرت نيودلهي وعصفت بالمصالح الاستراتيجية الأمريكية طويلة الأجل، بما في ذلك احتواء الصين وتحقيق الاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وفق "يوراسيان تايمز".

ويشير مراقبون إلى أن الأزمة التي خلقتها واشنطن ضد نيودلهي ليست سوى عنوان مثير لإخفاء أبعاد أكبر، تتعلق بالسياسة الاستراتيجية الأمريكية، والمصالح الدفاعية والاقتصادية، والصراع العالمي على النفوذ في آسيا.

ترامب، الذي فرض على البضائع الواردة من الهند رسوماً جمركية وصلت إلى 50% بدعوى أن نيودلهي تشتري النفط الروسي، تجاهل في المقابل الصين، التي تستورد النفط من روسيا بكميات أعلى مما تستورده الهند، لكن الرئيس الأمريكي لم يتصرف معها بالطريقة نفسها خشية أن ترد بكين على رسومه الجمركية بالمثل، وفقا لما يقوله مراقبون.

وهذا التركيز من واشنطن على الهند بينما تمنح الصين مهلة طويلة رغم أنها أكبر مستورد للنفط والفحم الروسي، أثار أيضا انتقادات المرشحة الرئاسية السابقة نيكي هيلي.

تصريحات هيلي "الجريئة"

في مقال رأي لمجلة "نيوزويك" وسط الأزمة بين البلدين، قالت هيلي: "ترامب مُحقٌّ في استهدافه مشتريات الهند الضخمة من النفط الروسي، والتي تُساهم في تمويل حرب فلاديمير بوتين الوحشية ضد أوكرانيا". ومع ذلك، أضافت أنه يجب معاملة الهند "كشريك حرّ وديمقراطي ثمين، وليس كخصم كالصين".

وسلّطت هيلي في مقالها الضوء على عقود من "الصداقة وحسن النية" بين الهند والولايات المتحدة، أكبر ديمقراطيتين في العالم. وأضافت أن ذلك يوفر "أساسًا متينًا لتجاوز الاضطرابات الحالية".

 السفيرة الأمريكية السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي

ولمواجهة الصين، بحسب هيلي، يجب أن يكون للولايات المتحدة صديق في الهند"، مضيفة أن "الهند فريدة في قدرتها على تصنيع منتجات لا يمكن إنتاجها بسرعة وكفاءة هنا (في الولايات المتحدة) على نطاق يُضاهي الصين".

وشغلت هيلي، الحاكمة السابقة لولاية كارولاينا الجنوبية، منصب سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة خلال فترة رئاسة ترامب الأولى، لتصبح بذلك أول أمريكية من أصل هندي تُعيّن في منصب وزاري في الإدارة الأمريكية.

وواجهت هيلي بسبب موقفها انتقادات حادة داخل حزبها، بتهمة محاباة الهند في ظل التوترات بشأن الرسوم الجمركية بين البلدين.

القشة التي قصمت ظهر البعير

ويبدو أن القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لترامب ظهرت في تيانجين عندما التقى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بالرئيس الصيني في لقاء وصف بأنه نقطة تحول في مسار العلاقات الهندية الصينية على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون. ليعترف ترامب بمنشور أورده على منصته "تروث سوشيال" بخسارته كلا من الهند وروسيا لمصلحة الصين. 

"قوة ظلامية"

نيودلهي التي كانت توصف في الغرب على أنها أكبر قوة ديمقراطية، أصبحت "قوة ظلامية" بنظر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وفي منشور له عبر منصته "تروث سوشيال"، قال ترامب: يبدو أن أمريكا خسرت الهند وروسيا لصالح الصين، واصفا إياهم بـ"أكبر قوة ظلامية في العالم"، متمنيا لهم مستقبلا سعيدا معا.

يعيد ترامب بهذا المنشور وغيره من التصريحات الصحفية، رسم خريطة التحالفات الأمريكية بصورة غير مسبوقة رغم أن الهند لطالما اعتبرت حليفا استراتيجيا مقربا للولايات المتحدة.

تقرير سابق لصحيفة "نيويورك تايمز" كشف أنه في الهند بدأ يُنظر إلى ترامب في بعض الأوساط كمصدر "إهانة وطنية"، ففي ولاية ماهاراشترا، جاب تمثال ضخم له الشوارع خلال مهرجان شعبي مع لافتات تصفه بـ"الخائن".

واعتبر مسؤول هندي أن الإجراءات الأمريكية بلغت حد "البلطجة الصريحة". 

فهل بدأت سياسات ترامب الخارجية تنقلب عليه؟ وهل أصبحت استراتيجياته تنفر حلفائه واحدا تلو الآخر؟، سيما أن الهند بقت على مدار سنوات تتقرب اقتصاديا من واشنطن حتى بات ينظر لها على أنها الشريك الاقتصادي البديل عن الصين.

 

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC